تحدث تغييرات كثيرة في حياة الإنسان بمجرد الانتقال من مرحلة العزوبة إلى الزواج، حيث تخضع علاقاته الاجتماعية وصداقاته لمعايير وضوابط جديدة، فنجد من المتزوجين من يفضل الاحتفاظ بصداقات قبل الزواج، فيما يختار آخرون القطع مع أصدقاء العزوبة. وليست المسألة دوما اختيارية، فهناك من تفرض عليه مسؤولياته الأسرية أو شريك حياته القطع مع علاقاته القديمة لبناء علاقات جديدة تتواءم مع وضعه الاجتماعي الجديد.
يتساءل الكثير من الأصدقاء عن فتور علاقاتهم بأصدقائهم بعد أن تزوجوا. ويذهب البعض إلى اتهام الصديق المتزوج بأنه تنكّر لأصحابه وخان الصداقة. وتتهم المرأة بأنها تقطع علاقاتها بصديقاتها وأصدقائها بعد أن تتزوج وأنها أقل وفاء من الرجل الذي غالبا ما يحافظ على تواصله مع أصدقاء العزوبة.
وبالرغم من إلقاء اللوم دوما على الصديق المتزوج واعتباره متخليّا عن العلاقة إلا أن العديد من المختصين في علم الاجتماع يشيرون إلى أنه لا بد من تلمّس الأعذار لهذا الطرف لأن مؤسسة الزواج تخلق مسؤوليات جديدة.
ويشيرون إلى أن هذه المسؤوليات المرتبطة بمتطلبات الحياة الزوجية والبيت والأبناء إلى جانب العمل لا تترك للزوجين أوقات فراغ مثل التي كانت في زمن العزوبية. الأمر الذي يجعل المحافظة على عدد كبير من الأصدقاء بالغ الصعوبة عند المتزوجين.
وحول اتهام المرأة بأنها تقطع صداقاتها بمجرد أن تتزوج يرى المختصون في علم الاجتماع أن هناك أسبابا تتعلق بنظرة المجتمع والزوج تحديدا لصداقات المرأة، حيث لا يحبذ الكثير من الرجال خاصة منهم الذين يحملون نظرة دونية للمرأة، مبنية على عدم الثقة في اختياراتها لعلاقات جيدة، أن تكون لزوجاتهم علاقات صداقة من خارج المحيط الأسري أو المعارف المشتركة خاصة مع الأصدقاء الرجال زملاء الدراسة أو العمل قبل الزواج. وفي الوقت ذاته يرفضون أن تتدخل المرأة في علاقاتهم مع الأصدقاء ويحافظون على صداقاتهم ويجدون الوقت لتقضيته مع الأصدقاء خارج البيت أو عبر استضافتهم وتبادل الزيارات معهم.
وترتبط المسألة هنا أيضا بشخصية كلّ من الزوجين وطريقة تفكيره، فهناك من الرجال من لديهم حب التملك والتحكم وبالتالي يرفضون علاقات زوجاتهم ولا تعجبهم ولا يؤمنون بجدواها. وأحيانا تكون الغيرة المفرطة وقلة الثقة المتبادلة هما السببان في قطع علاقات الصداقة قبل الزواج.
كما يؤكد الخبراء في علم النفس أن نظرة الإنسان للعلاقات بشكل عام تؤثر في سلوكياته وتعامله مع الآخر ويقسمون النظرة للصداقة إلى نوعين: النوع الأول الذي يعتبر الصداقة علاقة أساسية في الحياة ويؤمن بضرورتها ولا يتخلى على صداقاته بسهولة، فيما يرى النوع الثاني أن لكل مرحلة عمرية ولكل وضعية اجتماعية طبيعتها وعلاقاتها المختلفة ولا يعير اهتماما كبيرا لمفهوم الصداقة ويتخلى عن أصدقائه ويبني علاقات جديدة تتواءم مع الوضع الاجتماعي الجديد.
ومازال العديد من المتزوجين في تونس يؤمنون بأن علاقات الصداقة هامة جدّا في حياتهم رغم دخولهم في طور بناء حياة أسرية جديدة.
الزوج شريك للحياة ولا الحياة كلها لذلك فإن لكل نوع من العلاقات أهميته في الحياة وفي توازن الشخص
وتقول حياة العجيلي، وهي موظفة وأم لثلاثة أطفال، “برأيي الصداقة الحقيقية لا يمكن أن تنقطع لأن حبلها متين جدا، وفي هذه الحالة لا يمكن أن نتنكّر لصداقاتنا السابقة للزواج. وهذا لا يمنع من بناء صداقات جديدة بعد الزواج لأن الحياة الاجتماعية تقتضي ذلك والانتقال من مكان لآخر والمحيط الاجتماعي الجديد يفرض علينا ذلك أيضا. وفي حال كانت علاقة الصداقة مبنية منذ بداياتها على مصلحة، فإن الزواج يعجّل بإنهائها”.
أما عن علاقات زوجها بأصدقائه، فتشير حياة إلى أن هناك صداقات تنقضي بمجرد الدخول في مرحلة ما بعد الزواج لأنها مبنية على ما تتيحه العزوبية من طيش وعبث، وهذا النوع من الصداقة يصبح ضارا بالشخص المنخرط في حياة أسرية والمقبل على إنجاب أبناء لأنه يشغله عن أداء واجباته.
وتشير حياة إلى أنها استطاعت الاحتفاظ بعلاقات الصداقة المتينة التي سبقت الزواج وأنها تراها بمثابة علاقة أخوة رغم أن مشاغل الحياة اليومية والمسافات التي تفصلها عنهم قد تلهيها عن التواصل بشكل دائم معهم والالتقاء بهم، ولكنها تحاول السؤال عن أحوالهم عبر الهاتف أو الفيسبوك.
ومن جانبه يقول أسامة الغربي، وهو متزوج وقاطن في إحدى الدول الأوروبية، إن الزوج شريك للحياة ولا الحياة كلها. لذلك فإن لكل نوع من العلاقات أهميته في الحياة وفي توازن الشخص. ويشير وسام إلى أن نظرته للكثير من العلاقات تغيّرت بحكم زواجه من أجنبية واستقراره في بلد أوروبي. ويضيف أن علاقة الصداقة قد تتأثر بالارتباط لكنها برأيه لا يجب أن تنقطع تماما.
ويتابع أسامة أنه منذ بدايات علاقته بزوجته وقبل الزواج حرص على أن تعرف أصدقاءه وتلتقي بهم، مضيفا أنه يمكن تقسيم الصداقات إلى ثلاثة أنواع: أصدقاء لإمضاء الوقت والاستمتاع فقط مع فتيات وشباب تكون العلاقة بهم عابرة منذ البداية لذلك فضّل القطع معهم بعد الزواج. وأصدقاء لا يمكن الاستغناء عنهم وهم أشخاص لازالت علاقته بهم مستمرة وزوجته كوّنت بدورها معهم علاقة صداقة.
أما النوع الثالث فهو الصداقات الجديدة بعد الزواج مثل الأزواج والعائلات التي يتعرف عليهم الزوجان ويتبادلان معهم الزيارات والخروج مع الأبناء.
أما بالنسبة إلى صداقات زوجته فيقول إنها احتفظت بأغلب أصدقائها لكن التغير الذي طرأ على علاقتها بهم يتمثل في عدم قدرتها على الالتقاء بهم والخروج معهم كما في السابق.
ويشير إلى أن هناك اتفاقا بينهما على أن يخصص كل منهما وقتا معيّنا مرة في الأسبوع على الأقل للالتقاء بأصدقائه في حرية تامة، لأنهما يعملان على الاحتفاظ بأصدقائهما. ويؤكد أسامة أن علاقات الصداقة تظل تقريبا هي نفسها قبل الزواج وبعده في المجتمعات الأوروبية لأن هناك إيمانا بأن الحياة المشتركة للزوجين لا يجب أن تلغي علاقات كل منهما.
ويقول إن العكس هو ما يسود في المجتمع التونسي وخاصة في المناطق الريفية مثل التي ينحدر منها، حيث يشرّع الرجال لأنفسهم الاحتفاظ بصداقاتهم ويرفضون أن تكون لزوجاتهم صداقات، منوّها إلى أن الأنانية وحب التملك لا يحكمان العلاقات بين الزوجين في الغرب مثلما هو الشأن في الدول العربية.