اليأس والتيئيس ثقافة تفكير استبدت على عقولنا بالجمع فبتنا نتسارع بجهد مضاعف على غرسه في أجمل صوره العادمة والسلبية. من مظاهر اليأس حين تبيت الثقة في التغيير يتخللها حديث فقدان الاطمئنان في الحاضر والمستقبل. من خطابات التيئيس ازدهار (لغة الخشب)، وهي لغة إيديولوجية الأنظمة العميقة التي تبشر بتحقق الخير العام (متى وأين، لا نعلم)، وهي لغة الوعود بالإيمان القوي عندهم أنها لن تتحقق البتتة، والنسيان قادر على محوها بإلهاءات وضيعة و سخيفة .
اليأس من أحداث التاريخ الآتي من المستقبل جدلية ممكن استقراء غيبها عند أقرب عرافة (شوافة) ممكنة، التيئيس من التاريخ غير الحادث هو لسان كهنة خزنة سياسة التمييع وتعويم المشاكل الاجتماعية، هو في استغفال ذاكرة شعب عبر مساهمته في رفع معاول الهدم ونسف الحاضر والمستقبل وإسقاط الثقة في تاريخ التغيير. إنه (الوعي الشقي) الذي ازدهرت صناعة بمغرب الفوارق الاجتماعية و أصبح تجارة نافدة بيد الفساد، إنه الرعب والخوف من أحداث تاريخ حياة الفوضوية ، إنه الفساد بعينه كمحرك آلي لوضعيات اليأس البنيوية ودينامو تدوير (للوعي الشقي) .
للفساد عمق سحيق، ومجاريه عادمة ومتشعبة، للفساد سلطة أضحت إيجابية على خلق ضفة موحدة من مجتمع اليأس الغاضب. للإستبداد السلطوي أياد سافكة تعتبر الرعية من غوغاء (الفوضوية)، وردة فعله -(الوعي الشقي)- ناتجة من طبخة طنجرة ضغط اليأس على أنماط المجتمع المتحرك بلاعقل ولا تحليل. فهل ممكن لليأس أن يخلق تمردا على الوضع الاجتماعي المتردي بالنكوص؟، هل ممكن لليأس أن يتآخى مع الفساد؟، هل الفساد ممكن أن يتحكم في اليأس ويجعله طيعا وسهل التحكم؟، هل ممكن للتيئيس أن يستهلك كل مسكنات التخدير الموضعي وينشئ مجموعة من الصعاليك (الخواسر) الجدد؟، هل اليأس سياسة فريدة للأنظمة العميقة لأجل اللعب على أدوار بطولة (كوميديا سوداء) للإنقاذ؟.
محاكمة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالنقد البناء وصل حد الثرثرة المسرفة، ولن ينفك الوضع يتزايد تفاقما بالتذمر -(الوعي الشقي)- ويتجه نحو التمرد وتدمير ثقافة المعارضة السلمية في ظل استمرارية الإصلاحات الهيكلية. محاكمة الأوضاع (الفوارق الاجتماعية) تتجاوز حكمة (عفا الله عما سلف)، تتجاوز الوقوف بفاصلة (ويل لكل…) نحو المحاسبة والمساءلة وجبر ضرر ضنك عيش الشعب، وبناء الثقة والتفكير الآمن في المستقبل.
حين تسقط العقلانية في المجتمعات تظهر ثقافة الإلهاءات، يظهر فكر المرجئة وتأجيل قانون العقاب من حياة الدنيا نحو ممات الآخرة، ينكمش الأمل بمسوغات متعددة و ينصاع طوعا لرؤية الفساد، ويشد بالنواجذ على تلابيب جلابيب اليأس ويسقط المستقبل لزاما ضمن ظلمة المستنقع الفاسد.
لن نحدد تاريخ ميلاد اليأس، هل هو من رحم الدولة الحديثة، أم من الدولة التقليدية؟، لن نرجعه كليا بمرجعية تراكمات وإخفاقات سياسة الماضي. بل نقول، أننا فشلنا في بناء تنمية مستدامة تحفظ الإنسان إنسانيه وتنمي ذكاء الفرد والمكان، نقول بأننا أفسحنا للفوارق الاجتماعية اتساعا بيننا وزكينها بالانبطاح التام والهرولة نحو الاستفادة من بقايا ريع الفساد، نقول بأن ثقافة التنوير تخلت عن أدوارها وباتت تعيش مشاكل الفصائل المتناحرة داخليا.
الآن (بلغ السيل الزبى ) واستوطن اليأس المجتمع بمنتهى صيغة مبالغة التيئيس، حين أصبحت الأحزاب السياسية تتسابق نحو امتلاك كراسي التسيير وباتت دكاكين انتخابية، حين سعى الفساد إلى تلميع صورته وميع رؤية الإصلاح والتغيير، حين بتنا نحمل ألسن التراشق بكلام (الخواسر) الجدد و أفعال الصعاليك، حين أصبحنا لا نميز بين الصالح والطالح ونلقي بالكل في سلة واحدة وكأن لسان حالنا يردد (الشواري خانز، وإن كان فارغا من الحوت المعفن).
نحن، وهم أبناء الوطن، فمنهم من ركب البحر واقتنص قتلا، ومنهم من أشعل النار في ذاته…إنها ثقافة اليأس المزدهرة الصناعة كبضاعة حصرية (الماركة) للفساد . ثقافة لن أزكيها بالمرة، ولكن نطمح (نحن/هم) في صناعة ثقافة شعب رزين، ثقافة تجدد رغبة الشعب في خلق حلقات متسعة للنضال الداخلي التفاعلي مع قضايا الوطن، في الاصطفاف بجانب الأيادي البيضاء، في التمييز بين الخير والشر والتعبير عن الآمال في وطن يسعنا باختلافاتنا الفكرية والإيديولوجية.
ذ محسن الأكرمين.
عن موقع : فاس نيوز ميديا