لقد خلق الله تعالى الإنسان وسخر له ما في الأرض جميعا، و جعل له وطنا و انتماء، و أوجب عليه الدفاع عن كل ذلك بكل ما أوتي من قوة و من وسائل على اختلافها، و حرم عليه الاستسلام و التولي يوم الزحف و الجهاد، بل و جعل ذلك من أكبر الكبائر التي لا يرضاها سبحانه و تعالى لمسلم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات ” وقال تعالى (إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ)،ومعناه الهروب والفرار من ميدان المعركة مع العدو، إيثاراً للسلامة وجبناً وخوراً عن ملاقاة العدو).
والمغاربة الأبطال لم يرضوا و لن يرضوا يوما أن يكتبوا ممن يتولون يوم الزحف و تاريخهم الوطني العظيم شاهد على ذلك، و خاصة يوم أن زحف المغاربة بقيادة ملكهم أنذاك الحسن الثاني رحمه الله تعالى في اتجاه الأقاليم الصحراوية في مسيرة سلمية خضراء، ولم يخفهم جبروت المستعمر الغاصب ولا عدته، فالقلب المغربي كله إيمان بقضيته وبنصر الله العظيم.
فبعد أن بثت محكمة العدل الدولية بلاهاي في ملف المغرب وجاء رأيها الاستشاري معترفا للمغرب بحقه في صحرائه مؤكدا أن روابط قانونية وروابط بيعة متجدرة كانت دائما قائمة بين العرش المغربي وأبناء الصحراء المغربية، أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه عن تنظيم مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء وتحريرها .
ففي 5 نوفمبر، وجه ملك المغرب، من قصر البلدية بأجدير، خطاباً للشعب المغربي أعلن فيه عن انطلاق المسيرة حيث قال “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود, غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء, غدا إن شاء الله ستطأون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز” .
وهكذا و في اليوم الموالي 6 نوفمبر 1975 انطلقت المسيرة بقيادة مبدعها المشمول بعفو الله الملك الحسن الثاني من طرفاية، وشارك فيها ثلاثمائة وخمسون ألفاً من المغاربة ، إضافة إلى مشاركة كل من سفراء المملكة العربية السعودية، والأردن، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان،والسودان، والغابون، ووفد من السنغال، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
و لم يتسلح المتطوعون في المسيرة بسلاح إلا القرآن الكريم ، ولم يحملوا خلالها أي سلاح غيره ،تأكيداً على أنها مسيرة سلمية، كما انطلقت المسيرة بقدر كبير من الانتظام والدقة ، فعبرت حدود الصحراء، تحت ردود فعل عالمية وإقليمية متباينة، أما أسبانيا فقد عارضتها معارضة شديدة ، وطالبت بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمواجهتها ، كما أعلنت بهتانا وكذبا من خلال مندوبها في مجلس الأمن، أن المسيرة الخضراء ليست مسيرة سلمية!، بل هي زحف عسكري مسلح،ولذلك فقد حركت أسطولها البحري إلى المياه الإقليمية المغربية؛ من أجل إجبار المغرب للعدول عن تنفيذ المسيرة، كما أعلنت أنها قامت بإعداد حقول ألغام في الصحراء الغربية!. وقد أثار هذا التصرف الإسباني ردود فعل عالمية،وأدى نجاح المسيرة الخضراء، على المستوى الشعبي والإقليمي والعالمي،إلى إعادة التوازن في الموقف الإسباني اتجاه المشكلة، فبعد أن توغلت المسيرة لمسافة 15 كلم داخل إقليم الصحراء المغربية، بدأت الاتصالات بين أسبانيا والمغرب، ظهر خلالها تغير واضح في الموقف الإسباني، ولذلك أصدر العاهل المغربي أوامره بعودة المتطوعين في المسيرة إلى طرفاية مؤقتاً، حتى يتم التوصل إلى حل سلمي للمشكلة.
وهكذا وضعت هذه المسيرة السلمية حدا لحوالي ثلاثة أرباع قرن من الاستعمار والاحتلال المرير لهذه الأقاليم الغالية ومكنت بلادنا من تحقيق واستكمال وحدتها الترابية.
وفي يوم 9 نونبر 1975 أعلن الملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها وطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية.
وفي يوم 14 نونبر 1975 وقع المغرب واسبانيا وموريتانيا اتفاقية استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية. وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وصادقت عليها الجماعة التي أكدت في اجتماعها بالعيون يوم 26 فبراير 1976 مغربية الصحراء. وبذلك تم وضع حد نهائي للوجود الاسباني بالمنطقة وتم احترام موقف سكانها المعبر عنه من طرف الجماعة الهيئة الصحراوية الوحيدة ذات طابع التمثيلي الحقيقي.
وقد تمت المفاوضات طبقا للفصل 33 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الذي عقد عدة جلسات بطلب من اسبانيا بعد الإعلان عن المسيرة الخضراء. ودعا مجلس الأمن في قراراته الأطراف المعنية إلى التحلي بضبط النفس والاعتدال وتجنب كل عمل من جانب واحد من شأنه تصعيد التوتر. وأشار المجلس في قرار صدر في 6 نونبر 1975 إلى ضرورة التعاون مع الأمين العام للتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه. وقد أثبت هذا المسلسل أن المغرب كان ملتزما تمام الالتزام بالشرعية الدولية في استكمال وحدته الترابية.
و اليوم يؤكد المغرب بقيادة ملكه ممثله الأسمى محمدا السادس أدام الله عزه وفاءه لروح المسيرة الخضراء، و ذلك من خلال مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها و من خلال استجابته لكل المساعي الحميدة لحل هذا المشكل المفتعل و حضوره لكل أطوار المفاوضات التي دعي إليها.
إن المغاربة الأحرار أكدوا في محطات نضالية عديدة بما فيها المسيرة الخضراء ضد المستعمر أن الثبات يوم الزحف صفتهم وحب الوطن والملك ومقدسات بلدهم عقيدتهم.
ونحن مغاربة هذا الجيل إذا كان قد فاتنا زحف 1975 فها نحن نعيش اليوم والحمد لله بقيادة ملكنا الشاب محمدا السادس أدام الله عزه ونصره، زحفا من نوع آخر مدعوون للثبات معه فيه ، زحف ضد الفقر، و الهشاشة ، و الأمية ، والتدين الفاسد ، و الإرهاب ، و التسيب ، والفساد و كل مالا علاقة له بهويتنا الدينية و الوطنية.
وزحفنا و ثباتنا معه في هذا الزحف المبارك يكون بالدعاء له بالتوفيق والسداد، والاعتزاز بوطنيتنا و بهويتنا ومقدساتنا و الاستعداد الدائم لفدائها بالغالي والنفيس ، و كذا بالانتصار لإصلاحاته و مخططاته التنموية المباركة و أداء الواجب بكل تفان وإخلاص.
حفظ الله مولانا أمير المومنين الملك محمد السادس، وحفظ ولي عهده المولى الحسن وصنوه المولى الرشيد، وكل أفراد الأسرة العلوية المجيدة آمين والحمد لله رب العالمين.
إعداد الأستاذ هشام الإدريسي خريج كلية الشريعة بفاس.
عن موقع : فاس نيوز ميديا