اغتصاب الزوجة من طرف الزوج
في المجتمع المغربي
بقلم الدكتور عبد الجبار شكر
أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس
باحث مشارك في مختبر الأبحات والدراسات
في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة
من الناحية السكولوجية أن الاغتصاب هو ممارسة جنسية مع شخص بدون رضا منه ويعني أيضا انتزاع ملكية أنطولوجية جسدية ولذة أنطولوجية جسدية من الآخر بالقوة. فاللذة الجنسية وبالتالي نجد أن الرعشة الجنسية عند المرأة لا تحصل فقط بإثارة عضوها التناسلي بل تحصل نتيجة استيهامات “الأنا الأنثوي في عالم شبقية الجنس بكل أشكاله وأوضاعه , وهذه الاستيهامات الجنسية لا تحصل للأنا الأنثوي إلا في وضعية حرية الأنا ورغبته وشهوته الجنسية اتجاه الرجل، لأنه لا يمكن الفصل بين الرعشة الجسدية والرعشة النفسية ، فاكتمال اللذة الجنسية والوصول إلى أعلى درجات الشبقية لا تتم إلا بالرعشتين الجسدية والنفسية حسب المحلل النفسي ” جان لاكان ” لكن في لحظة الاغتصاب واستعمال القوة في ممارسة الجنس يفقد معه ” الأنا الأنثوي ” حريته وبالتالي يفقد معه الرغبة والشهوة ويقع استبدال سيكولوجي لكل ذلك بالنفور والاشمئزاز والتقزز، فمقاومة ورفض ” الأنا الأنثوي ” يحل فيها الألم مكان اللذة و يحل فيها التقزر مكان الشبقية، وانتزاع هذه الأنطلوجية من ” الأنا الأنثوي ” يعني الهجوم على كبرياء “الأنا” وإذلاله ونزع رأسماله السيكولوجي فيفقد معه كل مكتسباته التي حصل عليها في الماضي من خلال أنطولوجيته السكولوجية.
- عندما نلاحظ أن هناك ارتفاع في نسبة اغتصاب المرأة في مجتمع ما فهذا يعني أن وضعية المرأة لا زالت سجينة العقلية الذكورية هذه العقلية التي تجعل من المرأة مجرد “شيء”لا يصلح إلا لإشباع الرغبة الجنسية للرجل كما أنها أي المرأة هي مجرد “أداة” لإنجاب الأطفال ، ومن ثم فإن هذه العقلية الذكورية ترى في المرأة مجرد كائن من الدرجة الثانية أمام الرجل فهي كائن ضعيف وأقل ذكاءا وكفاءة من الرجل. ومن هنا يأخذ الاغتصاب الجنسي في مجتمع ما مجموعة من الدلالات السوسيولوجية وهي :
- أولا أن الاغتصاب الجنسي للمرأة في مجتمع ما يدل على النظرة الدونية للرجل اتجاه المرأة .
- ثانيا أن الاغتصاب الجنسي للمرأة يدل عدم انتشار ثقافة احترام حقوق الإنسان وبالخصوص احترام حقوق المرأة.
- ثالثا إن الاغتصاب الجنسي للمرأة يدل على تدهور نظام القيم الأخلاقي وانتشار قيم لا أخلاقية ولا إنسانية.
- رابعا إن الاغتصاب الجنسي للمرأة يدل على غياب صرامة القانون اتجاه المغتصبين من الرجال مما يشجعهم على استصغار الاغتصاب الجنسي للنساء.
يمكن اعتبار أن الزوج الذي يمارس الجنس مع زوجته بالقوة وإرغامها على ذلك وبدون رضاها وهي في تلك اللحظة غير راغبة وغير مشتهية لممارسة الجنس هي بالفعل حالة اغتصاب جنسي من طرف الزوج بكل المرجعيات السيكولوجية والسوسيولوجية بالرغم من كون أن الترسانة القانونية المغربية لا تجرم هذا الشكل من الممارسة الجنسية بين الزوج وزوجته ، فمن الناحية السيكولوجية فارغام الزوج للزوجة على ممارسة الجنس معه هو إذلال” للأنا الأنثوي ” لزوجته وإهانته له ، فيجعل الزوجة تشعر بالإهانة والإذلال والاستعباد والدونية ، أما ممارسة الزوج للجنس بالقوة مع زوجته وارغامها على ذلك دون رغبتها فهو من الناحية السوسيولوجية يدل على العقلية الذكورية التي يتصف بها الزوج فهو ينظر بدونية لزوجته باعتبارها امرأة ولا يحترم حقوقها الزوجية التي فيها تكافؤ في العلاقة ومساواة في العلاقات والأدوار واحترام للحقوق الإنسانية لكل منهما اتجاه الأنطولوجية الإنسانية لبعضهما البعض.
إن غياب ثقافة احترام حقوق الإنسان وغياب مبدأ المساواة عند بعض الرجال المغاربة يكرس هذه النظرة السلبية للحياة الجنسية عند المرأة لو كان هناك انتشار لهذه الثقافة ومبدأالمساواة بين المرأة والرجل لتغيرت هذه النظرة السلبية ولأصبح ينظر إلى الاشباع الجنسي للمرأة من طرف من الرجل حقا من حقوقها ولأصبح ذلك الإشباع الجنسي للمرأة واجب من واجبات الرجل يمارس الجنس معها عندما تكون راغبة فيه. لا أن يغتصبها و يعتبرها مجرد شيء للاشباع الجنسي بالنسبة إليه .فهناك فرق بين الممارسة الجنسية التي تدخل في إطار الرغبة والإشباع الجنسي وهذه لا ، والممارسة التي تدخل في إطار القوة والإرغام دون رضا الزوجة ، بمعنى آخر أن ممارسة الجنس عند الزوجة في هذه الحالة لا تصل فيها إلى الإشباع الجنسي .
- أود أن أشير ايضا إلى أن شهوة المرأة الجنسية تتساوى مع شهوة الرجل الجنسية، بل أكثر من ذلك نجد أن الثقافة الشعبية المغربية ، تعتبر أن شهوة المرأة الجنسية تفوق الشهوة الجنسية عند الرجل( الراجل عندو شهوة وحدة ، ولمرا عندها ميات شهوة ) ولهذا نجد في هذا الإطار أن هذه العقلية الذكورية تسعى بكل الوسائل إلى كبح هذه الشهوة الجنسية ، بحيث تقوم بختان المرأة نفسيا وذلك – كما هو الأمر بالنسبة لبعض المجتمعات العربية التي تقوم بختان المرأة جسديا للقضاء على شهوتها الجنسية – بتجريم كل الإيحاءات الجسدية الجنسية الصادرة عنها ، أو تجريم أي علاقة تقوم بها المرأة قبل الزواج، حيث تدخلها في خانة الفساد. وتجعلها مجرد وسيلة للاشباع الجنسي بالنسبة للرجل في أي لحظة يريد ذلك بدون أن يراعي رغبتها في ذلك أم لا وبالتالي لا يعتبرها كطرف في العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة
إن أكبر دليل على تساوي المرأة مع الرجل في الشهوة الجنسية ، هو ما أثبتـته الأبحاث البيولوجية ، بتشابه ميكانزمات الشهوة الجنسية والإثارة الجنسية و تشابه الوصول إلى الرعشة الجنسية بين المرأة والرجل ، إذ أن الاختلاف يكون فقط على مستوى الأعضاء التناسلية ، لكن العقلية الذكورية، هي التي أسست هذا الاختلاف الجنساني بين الرجل والمرأة، واعترفت بوجود شهوة جنسية عند الرجل من حقه إشباعها ، لكن لا تعترف بحق المرأة بالإشباع الجنسي ، ومن هنا أسست العقلية الذكورية هذا الاختلاف في التعبير عن البنية الجنسانية ، ومن تم أصبح يختلف كل من الرجل والمرأة في طريقة التعبير عن شهوته الجنسية ، فالرجل يعبر عن هذه البنية الجنسانية بكل وضوح وجرأة ، فله الحق في التعبير عن رغباته الجنسانية ، بل أحيانا يضع لها استراتيجية هجومية تتجاوز حدود الرغبة المتبادلة كالتحرش الجنسي بالمرأة وأحيانا يتجاوز ذلك إلى الاغتصاب . من هنا نجد أن المرأة تبنت فيما سبق سيكولوجيا ولا شعوريا فقدانها للشهوة الجنسية بعدم التفكير في الجنس كالرجل ، بحكم تبنيها لنظام الكبح الذي تمارسه العقلية الذكورية على الجنسانية الأنثوية . وهذه المفارقة تجعل العقلية الذكورية مستغرقة في تصور متناقض هي بدون رغبة جنسية وفي نفس الوقت يجعل من المرأة كائنا شهوانيا يخاف منه باستمرار لكونه يشكل خطرا في المستقبل في إطار مؤسسة الزواج ، بحيث نجد أن الرجل يبحث بشكل وهمي عن المرأة التي لا تملك شهوانية جنسانية ولا تهتم بأمور الجنس ودليله وحجته في ذلك هي المرأة التي لم يسبق لها أن دخلت في علاقات عاطفية أو جنسية .
عن موقع : فاس نيوز ميديا