كلمة السيد هشام بلاوي الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة بمناسبة انعقاد اللقاء الدراسي حول موضوع دور النيابة العامة في حماية الطيران المدني
رئاسة النيابة العامة-الرباط 28 نونبر 2019
أيها الحضور الكريم
يطيب لي في هذا اللقاء العلمي أن أرحب بكم في مقر رئاسة النيابة العامة، من أجل مناقشة موضوع غاية في الأهمية يتصل بـ“دور النيابة العامة في تفعيل أحكام مدونة الطيران المدني“، والذي يندرج ضمن حلقات التكوين المستمر الذي تشرف عليه هذه الرئاسة لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة، بغية تقوية معارفهم ومداركهم في مجالات قانونية متخصصة تحظى بالأهمية إن على المستوى الوطني أو الدولي.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
لا تخفى عليكم الأهمية البالغة للطيران المدني في تسهيل التنقل الدولي والوطني للأفراد والسلع، وهو ما يجعل منه مجالا حيويا يساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، عن طريق ما يتيحه من إمكانيات وما يوفره من خدمات على أعلى مستوى.
والأكيد أن الأهمية الاقتصادية التي يحظى بها الطيران المدني تتطلب منا كقانونيين الاهتمام بالجانب القانوني لهذا الميدان الذي يتميز بطابعه التقني والأكيد أن هذا الموضوع حظي باهتمام قانوني دولي منذ النصف الأول من القرن الماضي، عبر مجموعة من الاتفاقيات الدولية الأساسية التي صادقت عليها بلادنا، في مقدمتها اتفاقية شيكاغو المتعلقة بالطيران المدني الدولي لسنة 1944، التي انبثقت عنها منظمة الطيران المدني، وما ألحق بها من بروتوكولات أساسية، وكذا اتفاقية روما المتعلقة بالأضرار التي تلحقها بالغير على الأرض طائرات أجنبية لسنة 1952، واتفاقية مونتريال المتعلقة بتوحيد بعض قواعد التنقل الجوي الدولي لسنة 1999.
وإذا كان المشرع المغربي قد شرع منذ بداية عقد الستينات في تنظيم مجال الطيران المدني عبر مرسوم 10 يوليوز 1961، إلا أن التحديات والمخاطر المتنامية المحدقة بهذا المجال، جعلته يبادر إلى نسخ هذا المرسوم بواسطة القانون رقم 40.13 الصادر في 24 مايو 2016، والذي وضع ضمن أهدافه تعزيز سلامة وأمن الطيران المدني عبر سن مقتضيات خاصة بالبحث في حوادث وعوارض هذا الطيران، وتجريم مجموعة من الأفعال والسلوكات الماسة بأمنه وحسن تنظيمه. وهي المقتضيات التي يتعين على قضاة النيابة العامة الحرص على استحضارها باعتبارها محورا أساسيا لتنفيذ الالتزامات الأساسية لبلادنا في مجال الطيران المدني.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
يشكل التنسيق في مجال الطيران المدني أولوية أساسية لحسن تدبير هذا الأخير، بالنظر لتعدد المتدخلين فيه من قطاعات حكومية وفاعلين اقتصاديين وأجهزة قضائية، لذلك تنبه المشرع إلى أهمية تعزيز هذا التنسيق في البرنامج الوطني لسلامة الطيران المدني، وأكد صراحة على ذلك في المادة 273 من القانون رقم 40.13 على حق النيابة العامة في الاطلاع على كل المعطيات والمعلومات والوثائق المتعلقة بتنفيذ هذا البرنامج، رغم طابعها السري، وذلك بغاية المتابعة أو التحقيق في الجرائم.
ولاشك في أن وقوع حوادث وعوارض الطيران المدني تقتضي التنسيق بين النيابة العامة كجهة مشرفة على الأبحاث القضائية في هذه الحوادث، وبين الجهات المكلفة بإجراء الأبحاث التقنية. وفي هذا الإطار يجري العمل على تحيين الدورية المشتركة المتعلقة بتعزيز التنسيق مع مكتب التحقيقات وتحليل حوادث الطيران المدني، لضمان تدبير أمثل للأبحاث القضائية والتقنية.
وفي هذا الإطار، نؤكد استعداد رئاسة النيابة العامة للتعاون الفعّال والايجابي مع مختلف المتدخلين في مجال الطيران المدني، والسعي لتعزيز قدرات قضاتها بغية التطبيق السليم لمختلف القواعد القانونية الوطنية والدولية ذلت الصلة بالموضوع. والأكيد أن المشاركة في اللجنة الوطنية لأمن الطيران المدني تشكل أولوية أساسية في هذا المجال.
أيها الحضور الكريم
إن تطبيق القوانين المنظمة للطيران المدني يواجه في المرحلة الراهنة تحديات جديدة أفرزتها التطورات التكنولوجية والمعلوماتية وانعكست على الجريمة ووسائل ارتكابها، فأضحى معها التصدي للإرهاب الذي يهدد الطيران المدني، والجريمة السبرانية التي تمس أمن الأنظمة المعلوماتية للملاحة الجوية، من المواضيع الأساسية التي يتعين على قضاة النيابة العامة الإلمام بها وبتشعباتها، مع تعزيز قدراتهم للتصدي لها بكل فعالية من خلال ما أسند لهم القانون من صلاحيات ترتبط بالإشراف على الأبحاث القضائية، وتحريك المتابعات وممارسة الدعوى العمومية.
وأكيد أن هذا اللقاء الدراسي العلمي سيشكل، انطلاقا مما سيفرزه من توصيات وملاحظات، لبنة أساسية لخلق جسور تعاون مثمر مع الفاعلين في مجال الطيران المدني، ولصقل قدرات قضاة النيابة العامة في مواجهة التحديات الحالية التي تهدد أمن الطيران المدني.
وفي الختام، أجدد الترحاب بكم في رئاسة النيابة العامة، متمنياُ لأشغال هذا اليوم الدراسي العلمي التميز والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
و.م.ع
عن موقع : فاس نيوز ميديا