لا تكاد تحل ذكرى اليوم العالمي لمحاربة داء التهاب الكبد الفيروسي و الذي يصادف 28يوليوز من كل سنة، حتى تشحذ الهمم وتتظافر الجهود للتوعية و التحسيس وإبراز مدى خطورة هذا المرض ..كيف لا وهو يحصد سنويا مايربو عن مليون شخص مصاب. ففي المغرب، وحسب منظمة الصحة العالمية، تقدر نسبة الاصابات بين الساكنة العامة بفيروس(ب) بنحو 2.5%و 1.2% بالنسبة لفيروس (ج) .وهي ارقام تدعو أكثر إلى القلق والحذر و التفكير جديا في سبل الوقاية و الكشف و العلاج .
وكما هو معلوم فقد اثبتت الدراسات أن الفئات الأكثر عرضة هي تلك الخاضعة لحصص تصفية الدم، وكذلك فئة مستعملي المخدرات عن طريق الحقن، والاشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري.دون ان ننسى بعض الممارسات المنطوية على الكثير من الاخطار و التي تكلف متبنيها الشيء الكثير:
كالوشم والوخز بالإبر الملوثة ، وعلاجات الاسنان عند الجاهلين باسس هاته المهنة دون سابق معرفة بهذا العلم الرفيع و الذي يستدعي سنوات من الدراسة و الخبرة .
تحضرني غير مامرة من خلال ممارستي كطبيبة قصص وتجارب مريرة مؤلمة كلفت ابطالها تاج صحتهم وسكينتهم.. ليس هذا فحسب بل تجاوزت ذلك إلى معاناة اقتصادية مادية عجزوا عن سد تكاليفها الباهظة الثمن..
“سعيدة”، سيدة في عقدها الرابع، أم لأربعة أطفال، وهي معيلهم الوحيد بعد وفاة الزوج. قادتها ظروفها أن يكون جمع النفايات مصدر رزقها، اتت على مضض تشكو هزال جسدها النحيل، واصفرار وجهها الشاحب، صاحبه غثيان وقيء، لم تفلح أساليبها التقليدية من اعشاب و كي من تخفيف حدة معاناتها وآلامها، بل تفاقمت الأمور، لنتأكد بعد إجراء فحوصات انها حاملة لفيروس التهاب الكبد نوع(ج) وأنه استوطن الكبد و تمكن منه، ومع تعميق الحديث مع “سعيدة”، والتي ليس لها من السعادة سوى الاسم، اتضح أنها أصيبت غير ما مرة بوخز بإبر متناثرة هنا وهناك في حاويات الأزبال ووسط القمامة.
لم تنكر “سعيدة” أن آلام الأسنان اضطرتها في احدى الأيام إلى اللجوء إلى بعض المتطفلين على هذه المهنة، الجاهلين بأسس ممارستها. وهكذا فقد تعددت سبل الانتقال والمأساة واحدة .. شعرت “سعيدة” بالذهول والهلع والندم حينما علمت انها حاملة لفيروس لعين، وان احتياطات بسيطة كانت ستجنبها الأسوء.
قصة اخرى ويتعلق الأمر بالشاب” آدم” ذو الخامسة و الثلاثين.. جاء ليتبرع بدمه لتكشف التحاليل المخبرية ان دمه لا يصلح أن يحقن به شخص آخر.. فهو ملوث بفيروس الكبد (س).. كيف ذلك ومتى حصل الانتقال ؟ حقيقة صادمة و امر يستدعي الذهول ..
حاولت معرفة السبب، أقر”آدم” بعد جهد أنه في ما مضى من السنين تعاطى للمخدرات عن طريق حقن استعملها معه أصدقاء السوء.. أكد لي انها لا تعدو مرة او مرتين وانتهى الأمر.. لا لم ينته .. بل كلفه ذلك تلوث دمه بالفيروس الكبدي اللعين.. وكانت المرة الواحدة كافية لنقل العدوى المشؤومة .
غالبا مايكون هذا الداء مرضا دون اعراض تذكر مما يؤدي إلى تطوره بصمت وتشخيصه متأخرا في مرحلة تليف و تشمع و تسرطن للكبد.
لكن، وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي استعرضها المقال، فهناك جهود تبذل من اجل القضاء عليه.. و قد بذلت وزارة الصحة و الحماية الاجتماعية مجهودات جبارة لوضع مخطط استراتيجي للتصدي له و مكافحته عن طريق وضع آليات تشخيص سريع مبكر ومتاح ..و كذلك تصنيع محلي للأدوية ذات الفعالية الناجعة و بسعر مناسب يوازي القدرة الشرائية للمرضى المصابين.
آليات تدعو إلى التفاؤل بقرب نهاية هذا الفيروس المقيت.. تفاؤل لا يجب ان يثنينا عن اتباع سبل الوقاية الجادة المسؤولة من طرف كل المكونات المجتمع من فرد واسرة و هيئات حكومية و مجتمع مدني.. بغية الوصول إلى القضاء عليه.. و يصبح قريبا داء التهاب الكبد الفيروسي في خبر كان.
دة.شفيقة غزوي
طبيبة، مسؤولة وحدة التواصل و الإعلام
المديرية الجهوية للصحة و الحماية الاجتماعية
بجهة فاس – مكناس
عن موقع: فاس نيوز ميديا