أطروحة – اليوم مثل الأمس، والسنة الحالية كالسنة الماضية، نعيش كلما اقترب فصل الصيف من كل سنة أحداث أصبحت كالمعتاد لدى العامة، حينما يتعلق الأمر بتغير المناخ وما ينتج عنه من تداعيات تتجلى في ندرة للمياه وجفاف وفيضانات وحرائق للغابات وارتفاع مهول في درجات الحرارة، كلها كانت ظواهر تحدث بفعل الضغوط الجوية المضطربة التي تعرفها المنطقة المتوسطية، حيث تُؤدي أنماط الرياح إلى تكوين منظومة ضغطٍ مرتفع طبيعية ترتبط بالمناخ الحار والجاف فوق البحر المتوسط.
وفي الوقت ذاته، يتقلّص فارق المناخ بين الأرض والبحر في حوض المتوسط أسرع من أي منطقةٍ أخرى في العالم لأنّ البحر محاطٌ بثلاث كتل من اليابسة.
إن موجة الحرارة التي ارتفعت إلى مستويات عالية وبشكل استثنائي ابتداءا من النصف الثاني من شهر يونيو 2022، سجلت على إثره مقاييس حرارية تجاوزت 40° عبر طول الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط (المغرب، فرنسا، البرتغال، اسبانيا، إيطاليا…). إن تكاثر هذه الظواهر هو نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري، حيث إن انبعاثات الغازات الدفيئة تزيد من شدتها ومدة تواترها.
فاليوم يتسبب تغير المناخ في حدوث موجة حرارة فاقت المعتاد منذ عقد من الزمن، وقد تنبأت به مختلف الدراسات الحديثة حول مناخ الأرض المتغير على أن درجات الحرارة في كل مكان تقريبًا سترتفع، وأن ذلك سيؤدي أيضًا في معظم المناطق إلى زيادة هطول الأمطار، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الهواء الأكثر دفئًا يمكن أن يحمل المزيد من بخار الماء.
إلا أن هناك استثناء رئيسي واحد، وهو منطقة البحر المتوسط، وهو ما يُظهر أكبر انخفاض متوقع في هطول الأمطار مقارنة بالمناطق الأخرى على الأرض.
وقد شكل الـأسبوع الثاني من شهر يوليوز 2022، المرحلة الأسوأ مناخيا، حيث عرفت المنطقة المتوسطية بين الثلاثاء 12 يوليوز والخميس 14 يوليوز2022، حيث ناهز المحرار 49 °في بعض المناطق بالمغرب، وتم تحطيم مقاييس الحرارة المطلقة المسجلة في إسبانيا والبرتغال. وعلى سبيل المثال مرت إسبانيا بخمس حلقات من درجات الحرارة المرتفعة بشكل استثنائي خلال الأشهر الأحد عشر الماضية حيث كان شهر ماي أكثر الشهور سخونة منذ بداية القرن.
وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، تعاني إسبانيا من نقص حاد في هطول الأمطار منذ فصل الشتاء، ونتيجة لذلك بلغت مستويات السدود 45.3٪ من طاقتها الإجمالية مقابل 65.7٪ في المتوسط خلال هذه الفترة على مدى السنوات العشر الماضية.
شمال المغرب: حرائق غير عادية واستنفار محلي ووطني:
على إثر تعرض المغرب لموجة حرارة تجاوزت 45° تعدتها في بعض المناطق، أدى إلى اندلاع حرائق مهولة، في عدد من غابات مدن شمال وشرق المغرب، تسببت في خسائر مادية جسيمة، تمثلت في القضاء على الغطاء النباتي ونفوق الحيوانات والطيور والمواشي، بالإضافة إلى فقدان السكان المجاورين لتلك الغابات لممتلكاتهم ومنازلهم وقد أعلنت حالة الطوارئ بالمنطقة، حيث تجندت السلطات المحلية والمركزية في شخص رجال الإطفاء والجنود المغاربة والمتطوعين من السكان لإخماد النيران، وفي ساعات متأخرة من يوم الخميس 14 يوليوز تمكنت من السيطرة على عدة حرائق اندلعت خلال النهار في مناطق معزولة شمال المملكة.
وقد استمرت عمليات إجلاء الأسر المتضررة مناولها جراء الحرائق، حيث تم إجلاء 1325 أسرة موزعة على 19 قرية، وانتشرت تعزيزات إضافية من الجيش ورجال الإطفاء منذ الجمعة، لا سيما في القصر الكبير، وهي إحدى أكثر المناطق عرضة للخطر ويصعب الوصول إليها. وقد تعرض ما لا يقل عن ألف هكتار من غابات البلوط والصنوبر وغيرها من الصنوبريات وأشجار الفاكهة للتدمير منذ مساء الأربعاء في العرائش ووزان وتازة، بينما دمرت النيران قرية صغيرة في ضواحي القصر الكبير بالكامل وكان لابد من إخلاء العديد من الدواوير من سكانها.
على مستوى غابة “بني يسف آل سريف” المتواجدة بالمجال الترابي لجماعتي سوق القلة وبوجديان، حيث تم تعزيز طاقم الإطفاء ووسائل وآليات التدخل الأرضي والجوي في مواجهة النيران، مع تسجيل اتساع محيط المجال الغابوي المعني بهذا الحريق إلى حوالي 4660 هكتار، طالت ألسنة النيران النصف منها تقريبا، إلى حدود مساء اليوم السبت 16 يوليوز 2022، مع تسجيل بؤرتي حريق مهمة نسبيا، حيث تحاول أطقم الإطفاء لتطويقها واحتوائها، مستمرة في تتبع ومعالجة المناطق الأخرى الأقل حدة، وذلك حفاظا على سلامتهم ودرئا لكل المخاطر الممكنة.
وأفادت مصادر محلية بإقليم شفشاون أن المجهودات التي تبذلها فرق التدخل، المشكلة من مختلف المصالح المعنية مدعومة بكافة الوسائل والآليات، مكنت نسبيا وبشكل عام، من التحكم في محيط النيران التي تعرفها المنطقة الغابوية المتواجدة على مستوى جماعتي تاسيفت، وتلمبوط. وتواصل فرق الإطفاء المغربية إخماد الحرائق الأكبر في تاريخ المملكة، مستعينة بعناصر الجيش والدرك إضافة إلى الوقاية المدنية، وتنفيذ طلائع جوية بواسطة طائرات متخصصة في إخماد النيران من نوع “كانادير” تابعة للقوات الجوية الملكية وأخرى من نوع “توربو تراش” تابعة للدرك الملكي.
وفي حصيلة للخسائر التي طالت الغطاء الغابوي، فقد أعلنت السلطات المغربية أن عدد الوفيات بلغ أربعة (4) أشخاص جراء اختناقهم، كما أتت الحرائق على الأخضر واليابس في كل من العرائش ووزان وشفشاون وتطوان وتازة والحسيمة على 10 ألاف و500 هكتارا من الغابات، فيما تم إجلاء 1156 أسرة ونحو 225 شخصا وإسعاف 420 آخرين جراء هاته الحرائق. وتبقى هذه الحرائق هي الأكبر من نوعها في تاريخ البلاد، لتتجاوز النسب المسجلة في السنتين الماضيتين 2020 (45%) وسنة 2021 (15%).
حصيلة الحرائق بشمال الجزائر :
أدّت موجة الحر الشديدة المستعرة في شمال أفريقيا إلى اندلاع حرائق كبيرة بدأت من المغرب لتطال غابات الجزائر، هذه الأخيرة لم تسلم هي كذلك من هول هذه الكارثة، حيث إن الحرائق اندلعت بداية الأسبوع الثاني من شهر غشت 2022 شملت 14 ولاية بمجموع 106 بؤرة حريق، وتأتي ولاية الطارف الأكثر تضررا خلفت ضحايا كبيرة، بالإضافة إلى عشرات الألاف من الهكتارات المحترقة.
وقد تجندت السلطات المحلية الجزائرية والحماية المدنية والمتطوعين من السكان لإخماد نيران الحرائق الملتهبة ساهمت فيها الرياح بشكل كبير، وناشدت قوات الدرك الجزائري مستعملي الطريق الحيطة والحذر، وتجنب السير في الطرق المحاذية للمساحات الغابية، لتجنب المخاطر المتعلقة بالحرائق والارتفاع الهائل في درجات الحرارة، كما أغلقت السلطات طرقا رئيسية في ولاية الطارف الحدودية مع تونس، ووجهت نداءات بعدم التوجه إلى المناطق القريبة من الحرائق أو معبر “أم الطبول” الحدودي مع تونس لحين إخماد الحرائق.
وقد أعلنت وسائل إعلام جزائرية إلى ارتفاع حصيلة ضحايا الحرائق التي اندلعت شمالي البلاد وشرقها إلى 41 قتيلا و161 مصابا، مع إجلاء 350 أسرة في ولاية سوق أهراس، وأحرقت أزيد من 800 هكتار من الغابات و1800 هكتار من الأحراش، حيث لم تسلم منها حديقة الحيوانات قدرت الخسائر ب 10%، إضافة إلى أجزاء من منتزه القالة الوطني، أحد أهم المحميات الطبيعية في الجزائر. وقد استطاعت السلطات الجزائرية التحكم في هذه الحرائق بفضل مجهودات وحدات الحماية المدنية وقوات الجيش الشعبي والمتطوعين من الشباب، كما واعدت الدولة التكفل بالمصابين والمتضررين من السكان.
تبقى أسباب حرائق الغابات: طبيعية وبشرية؛
إن حرائق الغابات تحدث إما بفعل أسباب بشرية أو أسباب طبيعية.
فالظروف الطبيعية الاستثنائية التي تنشئ الجفاف مثل ظاهرة ” النينيو”، تؤثر على الغطاء النباتي مما يجعله يفقد حيويته، بالإضافة إلى عوامل أخرى طبيعية تساهم في الحرائق كالبراكين والبرق وغيره. وبفعل تداخل مجموعة من العوامل الأخرى سببها العنصر البشري تختلف من بلد إلى آخر، حيث أن بعضها مرتبط بالمنشآت الثابتة كخطوط الكهرباء، والبعض الآخر مرتبط مباشرة بالأنشطة البشرية كأفران الفحم المعدلة بشكل سيئ والحرائق غير المتحكم فيها والمدخنين وحرائق المخيمات والحرائق التي ينتجها الرعاة.
ولتبسيط ومعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الكوارث الطبيعية، لا بد من الرجوع إلى الماضي القريب، عبر سرد كرونولوجي لوقائع الاحتراق الغابوي لملايين الهكتارات.
فخلال العقدين الماضيين، حدثت حالات جفاف كثيرة ومتسعة مشفوعة بزيادة الضغط على الأراضي وباستعمال غير مستدام للغابات، خصوصاً في المناطق المدارية، أدت إلى تزايد كوارث الحرائق وحدثت أسوأ الحرائق في 1983/84 و1997/98. وفي عقد التسعينات (1997/98 و2000) بصفة خاصة كانت حرائق الغابات شديدة ومتسعة النطاق في أفريقيا (كينيا، رواندا) وآسيا (إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة، مونغوليا، روسيا)، أستراليا، أوروبا (روسيا والمنطقة المتوسطية وخصوصاً اليونان وإيطاليا وأسبانيا)، وأمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى (البرازيل، كولومبيا، بيـرو، أمريكا الوسطى، المكسيك) وأمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا الغربية). وخلال هذه الحرائق دمرت مساحات شاسعة من الغابات لا تحترق إلا في النادر (IUCN/WWF.2000)، وتوحي التقديرات بأن الحرائق في 1997/98 قد أثرت فيما يصل إلى 20 مليون هكتار من الغابات على النطاق العالمي.
إن ما يحدث في الغابات من اضطرابات سابقة للحرائق أمر له ارتباط شديد بحدوث الحرائق وبآثارها. وبصفة عامة، تكون شدة الحريق ومبلغ الأضرار أكبر بكثير في الغابات التي قطعت منها الأشجار بالقياس إلى الغابات الطبيعية. ومن أهم الآثار الإيكولوجية للحريق تزايد احتمال حدوث حرائق أخرى في السنوات اللاحقة، على إثر سقوط الأشجار الميتة على الأرض وتجفيف الغابات بفعل ضوء الشمس، وتزايد إمكانيات الوقود بتزايد الأنواع القابلة للاحتراق. وأشد الحرائق دماراً تحدث في الغابات المطرية التي سبق تعرضها للحريق، وآثار تعدد الحرائق في إحداث تدهور الغابات المدارية المطرية كبيرة.
وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط، أصبح الكثير من الأنظمة الإيكولوجية التي كانت مرتعاً للرعي أو ذات أشجار صغيرة (arbuste). أو حدثت فيها حرائق، متروكة أو حدث فيها تغير في النظام الإيكولوجي، يتمثل في الإنشاء على نطاق واسع لمزارع من أشجار الصنوبر والكافور (Goldammer and Jenkins 1990). فهذه زراعات شديدة الاشتعال، وسببت حرائق واسعة في البراري. ومن العناصر الهامة في مشكلة حرائق البراري في المنطقة المتوسطية تزايد الحرائق من صنع الانسان إلى حد لم يسبق له مثيل؛ فيمكن أن تكون أغلبية كبيرة من الحرائق متعمدة.
وفي الغابات المعتدلة والشمالية في أمريكا الشمالية، توجد ثلاثة أسباب رئيسية لإشعال الحرائق هي باستمرار: البرق وإحراق النفايات والحريق المتعمد الإجرامي. والقضاء على الحرائق خلال العقود الأخيرة ترك مقدراً كبيراً من الخشب الميت في الغابات، مما يوجد وقوداً محتملاً لحرائق واسعة شديدة الضرر. وقد استعمل الحريق في الاتحاد الروسي على مدى طويل كوسيلة لتعرية الأرض (IUCN/WWF.2000). غير أن الأزمات السياسية والاقتصادية هي على الأرجح من أهم الأسباب الكامنة وراء الحرائق الواسعة النطاق التي حدثت مؤخراً. أما من ناحية الأسباب الاجتماعية والاقتصادية (المستوى المعيشي للساكنة)، فإن الناس يحولون انتباههم إلى الغابات للحصول منها على دخل وعلى صيد وعلى أشجار تقطع بطريقة غير مشروعة، مما زاد من مخاطر حدوث الحرائق العارضة.
دور الرياح والتيارات الهوائية في نشوب الحرائق؛
تلعب الرياح دورا أساسيا في زيادة من هيجان نيران الحرائق، حيث سرعة الرياح تساهم في انتشار شظايا النيران، وبالتالي تسهيل عملية انتقال الحرائق بين الغابات المفتوحة وغير كثيفة. ويرتبط المسار اليومي لسرعة الرياح بالمسار اليومي لدرجة الحرارة. فارتفاع درجة الحرارة خلال النهار يجعل الهواء القريب من الأرض خفيفا، مما يدفعه إلى الصعود تاركا وراءه فراغا ومنخفضا، ليحل محله هواء أقل حرارة قادم من ضغط مرتفع من الطبقة الجوية، مما يسبب نشاطا كبيرا للرياح السطحية. وخلال الليل، فإن درجة الحرارة تأخذ في الانخفاض، ويصبح هواء السطح مستقرا، ويتناقص سمك طبقة الهواء المضطرب، ويضعف تبادل الهواء بين المستويات المختلفة القريبة من السطح. فنوعية الهواء يحدده الارتباط الوثيق بين الحرارة والرطوبة (فكلما ارتفعت درجة الحرارة إلا وانخفضت الرطوبة النسبية والعكس بالعكس صحيح).
يمكن القول، إن تراجع في سرعة التيار النفاث والذي ينشط بين درجتي عرض 30° و35° شمالا، ساهم وبشكل كبير في ارتفاع درجة الحرارة في البحر الأبيض المتوسط خلال الصيف، وذلك بسبب ضعف تلك التيارات وارتفاع منسوبها عن سطح الأرض، ولعل ذلك يرتبط أيضا بمدى الفرق بين درجة الحرارة بين المنطقة المدارية والقطبية، الذي يزيد في الشتاء عليه في الصيف.
وقع حرائق الغابات على النظام الإيكولوجي والتنوع البيولوجي للغابات؛
على نطاق عالمي، يمكن أن تؤثر حرائق الغابات في التركيب الكيماوي للجو، وفي القدرة الإنعاكسية لسطح الأرض. وعلى الصعيد الإقليمي والمحلي، تؤدي حرائق الغابات إلى تغير في أرصدة الكتلة الحيوية، وتعدل الدورة الهيدرولوجية بأثار تصدم الأنظمة البحرية مثل أرصفة المرجان، وتؤثر في أنواع النبات والحيوان ولها أضرار على صحة السكان، خصوصاً الذين يقطنون في الغابات، ويعترف الآن بأن حرق الكتلة الحيوية هو مصدر هام لثاني أكسيد الكربون، ويعتبر أن هذا الحرق يساهم بمقدار يتراوح ما بين 20 و40% من مجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على النطاق العالمي، وقدر أن الحرائق التي حدثت في الغابات المدارية في سنة 1998 قد أطلقت من 1 حتى 2مليار طن من الكربون، توازي ثلث الانبعاثات من حرق الوقود الحفري على النطاق العالمي (IUCN/WWF.2000).
على مستوى التنوع البيولوجي للغابة، تساهم الحرائق كجزء أساسي في إعادة إنعاش كثير من الأنظمة الإيكولوجية للغابات والأدغال، فالنار تساهم في خفض الأمراض التي تصيب النباتات، كما يؤدي الرماد الذي من مخلفات الحرائق، إلى تخصيب التربة ونمو الكائنات الحية، بالإضافة إلى إسهاماته كمبيد للحشرات والآفات الطبيعية.
إن آثار حرائق الغابات تختلف اختلافاً واسعاً تبعاً لشدتها وكثرة ونوع الحريق. ففي الغابات المدارية تسبب الحرائق السطحية التي كثيراً ما تكون ذات حجم صغير وبطيئة الحركة، إلى اشتعال النفايات العضوية السطحية، مما يسبب ضررا عن الحرارة للأنسجة الحية في جذوع الأشجار والنباتات، وهي حرارة كثيراً ما تؤدي في نهاية المطاف إلى وفاة هذه الأشجار بعد مـرور أشهــر أو سنوات.
إن درجة الانتعاش المتوقعة من الغابة تختلف تبعاً لشدة الحريق. ففي الغابات المدارية الأولية التي لم تحدث فيها اضطرابات، يمكن توقع حدوث انتعاش الغابة خلال بضع سنوات (Schindele et al. 1989)، وفي الغابات التي حدث فيها اضطراب خفيف وأصابها حريق، تكون القدرة على الانتعاش عادية، ولكنها لا تؤتي أكلها إلا بمساعدة أساليب إعادة تأهيل. وفي الغابات التي حدث فيها اضطراب معتدل وحدث فيها حريق، فمن غير المرجح أن تنتج أخشاباً قبل مضي 70 سنة على الأقل، وفي الغابات التي حدث فيها اضطراب شديد، سيقتضي الأمر مئات من السنين لعودة النظام الإيكولوجي للغابة المطرية إلى حالتها السابقة، إذا لم تحدث حرائق جديدة.
أما فيما يخص وقع الحرائق على الكائنات الحيوانية، فلا يوجد حتى الآن إلا قليل من الدراسات المتعمقة حول أثر الحرائق على التنوع البيولوجي في الغابات. وقد ذكـر (1990. Robinowitz)، أن غابات الأشجار الثنائية الأوراق المحروقة في تايلاند، تضمحل فيها الثدييات الصغيرة والطيور والزواحف، وأن الحيوانات الآكلة للحوم تتجنب المناطق المحترقة. وكما جاء على لسان (Nepstad et al.1999)، في منطقة الأمازون البرازيلية، تناقصت أعداد الحيوانات البطيئة الحركة وآكلة الفواكه، كما تناقص الكثير من الحيوانات التي تعيش على النفايات.
وخلاصة القول، إن الحرائق الواسعة الانتشار التي أتلفت النفايات المكونة من أوراق الشجر، وما يرتبط بها من مجتمع الحيوانية بمختلف فصيلتها، نتج عنه زيادة تناقص الأغذية المتاحة للحيوانات آكلة اللحوم والنبات، وأن ضياع الكائنات الرئيسية في الأنظمة الإيكولوجية للغابات، مثل اللافقاريات والملقحات والمحللات، يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ شديد لمعـــدل انتعاش الغابــة.
أنشطة لرصد الحرائق والتحكم فيها؛
بسبب تزايد القلق الدولي بشأن حرائق الغابات غير المتحكم فيها، عكفت عدة منظمات على رصد الحرائق ومراقبتها ومنعها. وكجزء من برنامج الفاو بشأن الغابات، تقوم الفاو بتقديم معلومات ومساعدة تقنية إلى البلدان الأعضاء بها وإلى المجتمع الدولي في مجال إدارة شؤون حرائق الغابات ومكافحتها. وأنشطة الفاو تشمل تجميع المعلومات ونشرها وتحليلها، ومنع الحرائق والإنذار المبكر، ومكافحة الحريق والتحكم فيه، وإعادة التأهيل والتعمير بعد الحريق وعدداً من الأنشطة التشغيلية. وقد اعترفت المنظمة الدولية للأشجار المدارية ITTO)) بالخطر المحتمل للحريق بوصفه عاملاً يصيب بالضرر والضياع الغابات الكثيفة، ووضعت المنظمة مخطط يروم تنفيذ برامج إدارة حرائق الغابات. وحيث أن الآثار الشديدة للحرائق على الغابات تمتد كذلك إلى التنوع البيولوجي، فإن المبادئ التوجيهية للـمنظمة تتعلق كذلك بالأمور التي تدخل في سياق الحفظ والاستعمال المستدام للتنوع البيولوجي.
إن الأسباب المباشرة والأسباب الكامنة للحرائق هي أسباب معقدة وكثيرة، ولا توجد حلول بسيطة لهذه المشكلة، إلا بنهج مقاربة تشاركية تستهدف تثقيف المجتمع وإشراكه في الحماية.
إن معرفة أسباب حرائق الغابات شرط أساسي لتنفيذ الحلول المناسبة، وفي هذا الصدد تم وضع استراتيجية محكمة للتخفيف من حدة الكوارث، وتغطي تلك التوصيات التي ركزت عليها المنظمات المختصة في مكافحة الحرائق نأتي على ذكرها:
· تحقيق نظام تشغيلي موثوق به لرصد حرائق الغابات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية والتبليغ عنها؛
· تعزيز الاستعمال المستدام إيكولوجياً للغابات، بما في ذلك التوسع السديد من الناحية البيئية في المزروعات، وإزالة التقطيع غير المشروع للأشجار، وتحسين ممارسات حصد الأخشاب، لتخفيض النفايات العضوية في سبيل تخفيض عدد الحرائق غير المرغوب فيها؛
· إعادة تأهيل أراضي الغابات التي تدهورت أو تعرضت للإتلاف؛
· إنشاء الخنادق وفواصل الحرائق واحتياطات المياه؛
· التدريب والتثقيف ورفع الوعي في المجتمعات حيث يكون الحريق فيها مشكلة رئيسية؛
· تشجيع مساهمة المجتمع وإشراكه في إدارة الحرائق ومنعها وإزالتها؛
· تحليل وتغيير العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تسهل حرائق الغابات غير المتحكم فيها؛
· برمجة مواضيع عبر الإشهارات التلفزيونية والملصقات والإعلانات الإذاعية تخص خطورة حرائق الغابات وعواقبها الوخيمة على البيئة؛
· إدراج ضمن المقررات التعليمية الأساسية مناهج مرتبطة بالمنظومة البيئية عامة؛
· تشديد العقوبات على منفذي عملية الحرائق المتعمدة؛
رغم التطور الذي عرفته الدول، من استخدام التنبؤات الجوية والتكنولوجية الحديثة، لتعبئة الموارد الضرورية مسبقا في حالة نشوب حريق، عبر تجهيز أبراج ومحطات مراقبة الطقس لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها، واستخدام الطائرات الخاصة في كثير من البلدان لمراقبة المناطق الغابوية، إلا أنه وفقا للإحصاءات، فإن أول من يبلغ عن الحرائق غالبا ما يكون من السكان المحليين. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا سيما في دول جنوب أوروبا، فإن هذه الظاهرة بعيدة عن الاستقرار، حيث أنها تبدو في ارتفاع متزايد في معظم بلدان الحوض الأبيض المتوسط.
د: مزوز الحسين
باحث في علم المناخ والهيدرولوجيا
فاس/ المغرب