الأجنبي للإستعمار الداخلي إستوجبت بطبيعة الحال ثورات وإنتفاضات وإنقلابات عسكرية تكللت كلها بالفشل وعمقت جرح هذا الشعب المغلوب على أمره ، وإزدادت حياته مرارة وقسوة كلما
حاول أن يرفع بصره نحو السماء أو يتجرأ على عدم ترديد اللازمة المخزنية ” نعــــــــام سيدي ، الله يبــــــــارك فعمر سيدي ” فكانت تازمامارت والقبور الجماعية مثوى هؤلاء وبأس المصير .
فكما تروض الأسود وتقلم أظافرها في السيرك ليقدموا عروضا ناعمة ومذلة ، تم تدجين وترويض هذا الشعب الأبي والذي شهدت له كتب التاريخ بالقوة والبأس وحكايات من عاصره من الشعوب من الرومان للإغريق والفراعنة والفينيق لدرجة أنهم أطلقوا عليه لقب” الإنسان الحر” بل وحتى الفرنسيس والإسبان عجزوا عن فك شيفرة سر قوة وصلابة ومناعة هذا الشعب على أي إحتلال أجنبي وعدم مساومته لحريته ولوقدم روحه فداء ا لها،لكن تشاء الأقدار ويحل زمان تكسر فيه شوكة هذا الشعب الهمام ليخر ساجدا وخاضعا لإستغلال بعد أن تكالب عليه الإستعمار ليسلمه لعملائه بالداخل من مخزن وآل فاس وليستمروا في نهج نفس سياسة أسيادهم بباريس تجاه هذا الشعب والذي سلبت منه حتى صفة المواطنة وجعلوه “رعية” كأننا نعيش في زريبة الراعي يتحكم في كل شيء وكلابه ” المخازنية والأحزاب ” تساعده في رعي هاذا القطيع من البهائم ” الرعية ” وفق مصالحهم وإرادتهم ، والعجيب أن هاته الرعية لقنت وعلمت أن تسبح بحمد الراعي بكرة وأصيلا وأن كل خارج عن القطيع يسلط الراعي كلابه عليه ليكون عبرة لباقي النعاج والخرفان، فلقن القطيع أن يقف صفوفا متراصة حينما يمر الراعي ويهتفون بحياته ويمجدوه ويقدسوه ويتركوه يجتز صوفهم متى أراد ولا يهم أن يموتوا بردا ويحلبهم متى شاء ولا يهم إن ماتوا جوعا المهم أن يكون الراعي وكلابه راضين عنهم ، فيتكدسون بزريبتهم ليتركوا الراعي وكلابه يمرحون ويسرحون بالأرض .
الشعب يريد…
إستبشرنا خيرا ونحن نرى عشرات بل مئات الألوف من هذا الشعب تخرج للشارع وتقول بصوت واحد ” الشعب يريد…” وأخيرا أعلنت الجموع المنتفضة أنهم مواطنون لا رعايا وهتفوا أبياتا لأبو القاسم الشابي:إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر … بل رفعوا شعارات مباشرة يخاطبون فيها الراعي الأكبر ومعلنين أن زمن العبودية قد ولى وأن لا مقدس إلا الله وأن كلاب المخزن لم تعد ترهبهم ، وتأكدنا أن تسونامي الحرية الذي هب علينا من تونس وليبيا ومصر وأن أمواجه الفايسبوكية جرفت كل العقد والخوف المزروع في صدر هذا الشعب ، فأعلن الشعب حياته ، الشيء الذي لم تستسغه الكلاب الفاسية المخزنية فحاولت الإلتفاف على هاته الإنتفاضة الشعبية وقتلت وأحرقت الشباب لإرهاب الشعب وإعادته لحضيرة الراعي كما مارست كل ما جادت به عقولهم الشيطانية من أساليب مكر وخذاع لوقف زحف ربيع الحرية وحينما لم يفلحوا عادوا لكبيرهم لعلهم يجدون عنده ما يبغون.
خطاب 9 مارس…
فجاء خطاب 9 مارس ، فقال وقال ونسي أن يقول ” مافهمتكومش” أو بالأحرى ” ماسمعتكومش ” هكذا كان بإمكان الملك أن يوفر عنه عناء تهجئة تلك العبارات الفصحى والتي تبتدئ باللازمة ” س ” والتي ماعاد الشعب يصدقها ، فكان رد الشارع واضحا بعبارة ” مامفاكينش” ، فردوا بمسيرات بعد الخطاب أقوى وأكبر من مسيراتهم قبله ، فما عاد الخطابات الجافة تعني الشعب ولو كانت من قبل الملك .
طوال مدة حكم محمد السادس وهو وحاشيته يحاولون تسويق صورته لدى الشعب وإيهامهم أنه أفضل من الحسن الثاني ، وأننا نعيش المغرب الجديد والعهد الجديد والملكية المواطنة والحرية وطي صفحة الماضي وسنوات الرصاص … في إعتراف صريح كون عهد الحسن الثاني كان دمويا وفاسدا ومظلما ونفس هاته الأبواق من كانت بالأمس القريب تطبل وتمدح العهد البائد وتخون كل من ينتقده ، إنهم المتملقون والحربائيون والذين لو تغيرت الوجوه غدا لقالوا في هذا العهد ما لم يقله مالك في الخمر ، لكننا أحوج لمن يقول كلمة حق لدى سلطان بدون تملق.
الدستور…
قال الملك أنه سيغير الدستور ، وتناسى أن من له الحق في تغييره هو الشعب ويكف عن قرارات فوقية إستعلائية ، شكل لجنة قاطعها الشباب ، أخذت مقترحات من الأحزاب والتي فقد الشارع الثقة فيها ، لنفاجأ في الأخير أن حتى مقترحات اللجنة لم تأخذ محمل الجد وأن خفافيش الظلام بالقصر لهم اليد العليا فأعادوا الصياغة حسب أهوائهم لنفاجأ بدستور يكرس كل ما إنتفض الشعب ضده.
الإصلاح ليس ورقة أو دستور أو تغيير موظف أو وزير بل هو أعمق من ذلك بكثير، فالكل مجمعا أن هاته الدولة أقيمت أسسها في عز سنوات الرصاص والقمع وبالتالي فالإصلاح لن يتم إلا بثورة شاملة تغير ملامح هذا النظام السلطوي الإقطاعي وفسح المجال للشعب لتسيير موارده والتحكم فيها .
ملكية…
نحن لا نجادل في كون المغرب دولة ملكية ، لكن إن أرادت هاته المؤسسة أن تنأى بنفسها عن الإنتقاد فيجب أن تكون ملكية محايدة كنظيراتها بالشمال لا سلطوية إستغلالية كما هو عليه الأمر بالشرق ، فكيف نحلم بالديمقراطية والدولة المدنية والملك يسيطر على التجارة والصناعة والموارد المعدنية والبحرية والجوية ويتحكم بالسياسة والقضاء والمؤسسات والإستثمارات ويوزع الهبات والرخص لمن شاء بدون مقابل والتي هي أصول من المفروض أن تكون ملكا للشعب، كيف يستقيم العدل والملك يصنف من أغنى أغنياء العالم ومازال في بلدنا من يموت من البرد والجوع …
نريد ملكا…
نريد ملكا مواطنا تطبق عليه القوانين كما تطبق على أي فرد من الشعب ، ملك يؤدي الضرائب كباقي الشعب ملك نقول له من أين لك هذا ، لا يحتكر الإقتصاد ولا يجمع بين الثروة والسلطة ، ملك إن أراد الإستثمار يدفع ملف شركته كباقي المستثمرين المغاربة والأجانب للمناقصات الحرة ، ملك لا يقوم بزيارات تكلف الملايير لتدشين صور أو قنطرة لا تتعدى قيمتها بضع ملايين لإيهام الشعب أنه يخدمهم ، ملك يسكن في منزل كباقي المغاربة لا قصورا تكلف الملايير يوميا والشعب يبيت بالعراء .
“غلطوني”…
قالها زين العابدين بن علي للشعب التونسي فلم يصدقه أحد ، لكن للأسف فالبعض يصدق هاته الكذبة بالمغرب ، فتجد العديد من المواطنين يحلفون ويقسمون كون الملك صالح وأن محيطيه هم الفاسدين ، صورة يحاول النظام جاهدا تسويقها لدى الشعب الأمي ، ولا يصدقها إلا جاهل أو أحمق ، فهل الملك لا يعلم أنه وحاشيته سيطروا على كل موارد وخيرات البلاد ؟ هل لا يملك جهاز كمبيوتر ليدخل اليوتوب والفايسبوك والمواقع الإخبارية ليرى ما آلت إليه الأمور ؟ إذن فكيف يكون سباقا حينما يتعلق الأمر بالإستثمارات الشخصية وتجد شركاته أينما وجدت فرصة لجني المال ، لما لا نجده ناجحا في إقتناص بؤر الفساد كما هو الأمر بإقتناصه للإستثمارات الشخصية ؟ التغيير ليس بترك كلاب المخزن يعيثون فسادا بالأرض عقودا وفي الأخير يأتي السلطان المبجل ليعفي واحدا من مهامه والثاني ينقله لمصلحة أخرى كل هذا لتكريس العبودية وفكرة أن الملك أفضل من المسؤولين ، فهل هاته هي طريقة محاربة الفساد؟ إن الأمر أبسط مما تتصور وبإمكان أي أحد أن يأتي بالحل الجذري ، ألا وهو ” القضاء ” ، قضاء مستقل وقوي سيقتلع جذور الفساد لكن بشرط أن لا يبقى أحد فوق القانون ولو الملك نفسه ، قضاء يجد كل مواطن تعرض للظلم حقه فيه ، فإن أضرت بنا مشاريع الهولدينغ الملكي فإمكاننا أن نغلقها بلجوئنا للقضاء وإن إستحوذت شركاته على مناجم الذهب بالأطلس أو أراضي الساحل بالريف فبإمكان أي مواطن أن يرفع دعوى قضائية ضدها ، إن وزع الملك رخص الصيد والنقل على المقربين والأعيان مجانا فبإمكاننا مقاضاته ليعيدها لأنها ملك للشعب … أي أن الإصلاح يأتي من القمة وليس أن نغير عاملا أو واليا أو حتى وزيرا .
البيعة …
لعل أبرز ما جاء في خطاب 9 مارس هو تأكيد الملك أنه بصدد تعاقد جديد بين الملكية والشعب أو ما يدعى بالبيعة ، وفق شروط وضوابط حديثة لا مبايعات القرون الوسطى والتي جعلت من الحاكم مكانة مقدسة وألهته لدرجة أنهم يدعون أن من خرج عن طاعة السلطان فقد خرج عن طاعة الله ، في إستغلال بشع للدين لإستغلال الشعب المؤمن ، لكن خاب ظننا ونحن نقرأ مسودة الدستور والتي لم تغير شيئا سوى العناوين فتغير الملك من شخص ” مقدس ” إلى شخص ” محرم ” لا تنتهك حرمته كأن باقي الشعب جائز إنتهاك حرمته وهذا تناقض مع شعارات الملكية المواطنة المرفوعة من قبل النظام .
حلم …
حلمت بملك يمشي في الأسواق ويتجول مع الشباب ويتقدم مسيراتهم المنادية بالإصلاح ويهتف معهم نفس الشعارات ويجلس معهم بالمقاهي الشعبية ويضحك لضحكهم ويحزن لحزنهم … لباسه لا يختلف عن لباسي أي شاب مغربي وأكله هو أكلهم ، ترك عيشة القصور ليقطن في شقة بأحد العمارات المتوسطة ، سيارته إقتصادية لا تميزها بين سيارات الشعب ، يصطف أول كل شهر مع باقي المواطنين بأحد الأبناك ليأخذ راتبه الشهري الذي يحدده له القانون، ويقتصد طوال الشهر مخافة أن تنفذ أمواله، ملك يمكن لأي شرطي مرور تحرير مخالفة له لو إرتكبها ، ملك إبنه يستقل الحافلة كل صباح ليدرس في مدارس الشعب نفس المقررات التي يدرسها المغاربة ، فمتى يتحقق هذا الحلم؟