ذ. الكبير الداديسي
ازدان وسط مدينة آسفي بساحة فريدة من نوعها ، يقل نظيرها في المدن المغربية ، يتعلق الأمر بساحة للتزلج التي أقيمت مكان حديقة عمومية ، فتباينت الآراء بشأنها …
بين من يرفض مثل هذه المشاريع بدعوى أن المدينة في حاجة لمشاريع استثمارية خاصة و مدينة آسفي من المدن المغربية الأكثر تلوثا لوجود معامل كيماويات المغرب ومعامل فسوسفور المغرب بها ، ومن المدن التي تحاصرها مصادر التلوث من كل الجهات معامل المكتب الشريف للفوسفاط جنوبا والمطرح العمومي للأزبال ومعمل الجبص شرقا ومعمل الإسمنت شمالا … ومدينة تقل فيها المجالات الخضراء والفضاءات الخاصة بالأطفال بعد الحملة الشرسة التي يشنها الإسمنت على هذه المجالات ..
لذلك عندما انطلقت الجرافات في اجتثاث الأشجار وجرف العشب ( gazon ) الذي كان يضفي على إحدى ساحات وسط المدينة جمالا وخضرة عبّر الكثير من سكان المدينة عن سخطهم واستنكارهم لما اعتبروه جريمة في حق البيئة ، متهمين الجهات الممولة للمشروع : جهة دكالة عبدة ، عمالة إقليم آسفي و الجماعة الحضرية للمدينة بالغناء خارج السرب ، وأن هذه الجهات مطالبة بالحفاظ على المجال الأخضر و إحداث فضاءات خضراء أخرى …
وبين من يشيد بالمشروع ويعتبر الاهتمام برجال الغذ أحسن استثمار ، فاليوم والمشروع أوشك على نهاية ، غدت الساحة قبلة لعدد كبير من الأطفال والشبان الذين أبدوا اعجابهم بالساحة ، وأصبحت محجاً يقصده الأطفال خاصة خلال نهاية الأسبوع ومساء يوم الأربعاء ،مما خلق حركية لم يكن يعرفها المكان : فبعدما كانت الحديقة هدفا للعشاق وبعض الأسر تراهم جالسين أو مستلقين على العشب للاستجمام أو في انتظار وثيقة إدارية في العمالة أو البلدية أو البريد أو مختلف الإدارات القريبة من الحديقة ، تحول المكان من حديقة ظليلة معشوشبة إلى ساحة مبلطة بالخرسانة متضمنة لمنعرجات و أمكنة للتزلج والانزلاق ،وقد وضعت في بعض جوانبها منزلقات حديدية منها ما هو خاص بالأطفال الصغار ومنها ما هو خاص بالمراهقين والشباب، وبذلك يكون المكان قد غير رواده ليصبح معظمهم أجساد في قمة العنفوان تمتطي دراجات عادية مخصصة للتزلج ، أو زلاجات تختلف أنواعها منها ما يلبس في القدم ومنها ما يقف عليه المتزلج … مما جعل سوق الزلاجات يعرف رواجا لم تعرف له مدينة آسفي مثيلا ، وفي حوار مع بعض زوار الساحة من الشبان عبروا عن اعجابهم بالساحة ، وقد اعتبروها إضافة نوعية للمدينة التي تنعدم فيها الفضاءات المخصصة لهذه الشريحة من المجتمع ، وهم يشكلون نسبة هامة من السكان ، مطالبين بالإكثار من مثل هذه المشاريع لأنها فضاءات للتربية والرياضة والتنافس والتعارف ، ومتنفسا لهذه الفئة العمرية التي تعتبر نفسها غير مفهومة ، وأن معظم الناس يتعاملون معها انطلاقا من أحكام جاهزة مسبقة ، وعن سؤالنا لبعض الشبان : ألا ترون أن بناء هذه الساحة مكان حديقة عمومية ضربة قاسية للبيئة في هذه المدينة؟؟ كان جوابهم بالنفي معتبرين وسط المدينة يتوفر على عدة حدائق بينما المدينة بكاملها لا تتوفر على فضاء مفتوح للشباب، وقال آخر : إن الذين يريدون الاهتمام بالبيئة في هذه المدينة ، عليهم التفكير في حزام أخضر يحيط بالمدينة ويحميها ويكون فضاء للتنزه للعائلات كما هو الحال في الرباط ،بدل تسييجها وإحاطتها بمختلف مصادر التلوث ،
يستنتج إذن أن ساحة التزلج بمدينة آسفي ليست سوى مظهرا واحدا من المظاهر التي تعكس الفجوة الكبيرة بين البالغين والمراهقين ، وإن كان البالغون هم من قرروا وصادقوا على إنشاء هذه الساحة