الفن السابع بفاس يتراجع لفائدة الحفلات

أسطور، بيجو، ريكس، أبي الجنود، الشعب، قوس قزح، الأمل… أسماء لقاعات سينمائية كانت تغذي شرايين مدينة فاس، و تزكي اللقب الذي اكتسبته عبر التاريخ، كان الصخب يملأ جنباتها باستمرار، كل شرائح المجتمع تحج إليها من كل الفئات العمرية و النوع بدون استثناء، كانت جزءا من البرنامج الأسبوعي، لابد من السؤال حول عروض كل القاعات لاختيار الأفضل الذي سيكون مزارا أساسيا للأسرة أو الفرد خلال عطلة نهاية الأسبوع، أما إذا صادف و أعلن عن إنتاج مغربي أو عالمي ذي طابع خاص فتجد الجمهور مضطر لاختيار العروض الليلية الخارجة عن أوقات العمل كي لا يفوت الفرجة.
بعض القاعات من هذه القاعات، لم تحتضن العروض السينمائية فحسب، بل كانت فضاء للمسرح والطرب و اللقاءات السياسية و الندوات الثقافية، فكم صدح بها صوت الغيوان و جيل جيلالة والمشاهب وغيرها، وغنى بها محمد رويشة ”يا اللي قلبو بحالي مجروح” و ”يوفرو حمام” و توالت عليها الفرق المسرحية، التي غالبا ما تحجز الجزء السفلي من القاعة لعروضها، وأمام تدفق الجمهور تضطر إلى استئجار الجزء العلوي، فرقة مسرح الحي، فرقة المسرح الوطني، فرقة الوفاء المراكشي، فرقة مسرح الناس، أما المثقفون و السياسيون الذين كان غالبيتهم من اليسار، فكانت هذه القاعات تتحول عند حضورهم إلى فضاء للصخب والجدل الفكري والسياسي، واختيارهم لها كان لسببين الألفة التي تربطها بالجمهور، و قدرتها على استيعاب الأعداد الغفيرة من الحاجين.
غزا ”الفيديو” و بعده ”الفيسيدي” ثم ”الديفيدي” كل البيوت، وغذتها الشرائط المقرصنة فتحولت الفرجة الجماعية التي غالبا ما كانت تنتهي بنقاشات وجدل بين الأصدقاء والرفقاء، إلى مجرد مشاهدة فردية جافة بين أربع جدران، غالبا ما يكون الغرض منها تبديد الوقت، الذي أضحى متراكما في وسط متخلف لا قيمة فيه للجمال.
غدت مجرد أطلال تشهد على ماض غني يرثى على حالها، و يبكي على أبوابها كل من عايش عصرها الذهبي، بعد مقاومة طويلة و انتظار لتتدخل جهة ما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث ثقافي يتلاشى يوما بعد يوم، بل ويكاد يمحى من الذاكرة الجماعية، استسلمت للإهمال وبعضها لم يجد بدا من مجاراة الحملة الهوجاء التي انتشرت في السنين الأخيرة، فتحولت إلى قاعات للأفراح و الحفلات كما هو الشأن بالنسبة لسينما أبي الجنود والأمل…
القاعة اليتيمة بالعاصمة العلمية التي لازالت تقاوم لتحافظ على استمراريتها، ” سينما أومبير”، يشاع بين المهتمين بالموضوع أن صاحب القاعة حصل على دعم، لكن الواقع يؤكد بالملموس أن المرافق التابعة لها و هي عبارة عن قاعة للحفلات وناد للشباب ومقهى هي الدعم الحقيقي الذي يضمن الوجود لهذه الجوهرة الثمينة.

لا تعليقات