هذا ما قاله وزير الصحة الحسين الوردي بالمناضرة الوطنية الأولى حول الدواء والمواد الصحية

كلمة السيد وزير الصحة

البروفسور الحسين الوردي

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

  • السيد رئيس الحكومة
  • السيدات والسادة الوزراء في الحكومة وفي الدول الأفريقية الشقيقة والصديقة
  • السيدات والسادة السفراء
  • السيدات والسادة النواب
  • السيدة رئيسة الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب
  • السيدات والسادة الكتاب العامون
  • السيدات والسادة ممثلو جهاز الأمم المتحدة والتعاون الدولي
  • السيدات والسادة رؤساء ومدراء ممثلو المؤسسات الوطنية والدولية
  • السادة رؤساء الهيئات الوطنية والجهوية للطبيبات والأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان
  • السيد رئيس الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب
  • السيد رئيس الجمعية المغربية للصناعات الصيدلية
  • السيد رئيس جمعية مقاولات الدواء بالمغرب
  • السيد رئيس الجمعية المغربية للأدوية الجنيسة
  • السيدات والسادة الخبراء
  • السيدات والسادة أيها الحضور الكريم

يشرفني أن أحضر معكم هذه الجلسة الافتتاحية لـ “المناظرة الوطنية الأولى حول الدواء والمواد الصحية” والتي تنظمها وزارة الصحة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والتي تتمحور أساسا حول “السياسة الدوائية الوطنية” كإطار مشترك لضمان الولوج العادل للأدوية والمواد الصحية بالمغرب.

واسمحوا لي بداية أن أرحب بالسادة الوزراء الأفارقة وكذا بضيوفنا الدوليين الذين أتمنى لهم إقامة طيبة في بلدهم الثاني المملكة المغربية؛ كما أرحب أيضا بجميع الحضور من خبراء ومشاركين وطنيين ودوليين الذين وافقوا على المشاركة في هذا الحدث الهام والأول من نوعه في بلادنا.

إن حضوركم اللافت اليوم شاهد على بالغ الأهمية الخاصة التي تولونها لموضوع هذه المناظرة ومكانة الفرصة التي يتيحها لديكم للتفكير والمناقشة سويا حول القضايا الدوائية والصيدلانية ذات الاهتمام المشترك.

لذا اسمحوا لي بالتعبير عن امتناني الصادق لحضوركم معنا.

أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي،

كما لا يخفى عليكم فالدواء بغض النظر عن كونه منتجا صحيا يلعب دورا رئيسا في تتويج الفعل الطبي والعلاقة بين الطبيب والمريض، فهو مورد استراتيجي لأي نظام صحي سواء في البلدان المتقدمة أو النامية.

ويعد من بين التجسيدات الأكثر موضوعية للحق الأساسي في الولوج للعلاجات، كما يعد واحدا من الدوافع الرئيسية للتنمية الصناعية ووسيلة قوية لتنظيم التأمين الصحي والانفاق على الصحة بشكل عام، بل هو أيضا دافع رئيسي للبحث والابتكار في المجال الصحي.

ويمكننا القول بأنه لا صحة في غياب الولوج للأدوية، فالحكومة التي تعطي أولوية للصحة يجب عليها الاهتمام أولا بالأدوية.

إن هذا الحدث بالنسبة لنا تتويج لعملية وطنية قوامها التشاور وتقريب وجهات النظر ومقترحات العمل التي أدت، لأول مرة في المغرب، الى صياغة سياسة دوائية وطنية سمحت لنا بتأطير رؤيتنا المستقبلية وفق ورش إصلاح واسع في قطاع الصيدلة.

واقتناعا منا بضرورة وضع رؤية جديدة تنطوي على مقاربات مبتكرة لحكامة أفضل في الميدان الصحي، انخرطت بلادنا في عدة مشاريع لإصلاح النظام الصحي لتكون قادرة على تلبية تطلعات المواطنين وضمان حقهم في الولوج إلى العلاجات كما هو منصوص عليه في الدستور الجديد لسنة 2011.

هذه المشاريع الإصلاحية شملت أولا وضع نظام التغطية الصحية الأساسية من خلال تعميم نظام المساعدة الطبية RAMED الذي أعطى انطلاقة تعميمه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ 13 مارس 2012، ثم من خلال تعميم التغطية الصحية الأساسية على الطلبة AME وكذا من خلال مشروع التغطية الصحية للمستقلين IMA الذي تم وضع اللمسات الأخيرة عليه، وسيقدم قريبا إلى مجلس الحكومة.

وبذلك تم تعميم التغطية الصحية على 62% من الساكنة؛ ويأمل المغرب، بتنفيذه للتغطية الصحية للمستقلين، أن يتجاوز 90% من عدد السكان المستفيدين بحلول سنة2020 ، وذلك لتحقيق التغطية الصحية الشاملة كما أوصت بها منظمة الصحة العالمية في سنة 2005 والأمم المتحدة في سنة 2012.

وشملت مشاريع الإصلاح أيضا توفير وتنظيم عرض العلاجات، وتشجيع الاستثمار في الميدان الصحي وتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال صياغة ونشر ترسانة قانونية تضم القانون والمرسوم المتعلقين بالخريطة الصحية، والقانون 131-13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب وفتح رأس المال لغير الأطباء، والقانون 86-12 المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

في نفس السياق، فإن الحكومة منكبة على توسيع وتأطير عرض العلاجات من خلال إنشاء أربعة مستشفيات جامعية جديدة في كل من طنجة وأڴادير والرباط والعيون. كما تم تنظيم سلسلة المستعجلات الطبية الاستشفائية والقبل استشفائية بصفة كاملة ومتطورة؛ أضف إلى ذلك تعبئة الموارد البشرية الضرورية والصحة بالعالم القروي التي كانت في قلب برنامج الصحة المتنقلة.

ولمرافقة هذه المشاريع، نفذت وزارة الصحة أيضا إصلاح نظام “LMD” (اجازة-ماجستير-دكتوراه) بالمعاهد التابعة للوزارة (المعاهد العليا للمهن التمريضية والتقنيات الصحيةISPITS ) و المدرسة الوطنية للصحة العمومية ENSP)) مما مكننا من الارتقاء بهذه المؤسسات الى مصاف مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات وتعزيز مستوى تكوين وأعداد مهنيي الصحة من مدبرين وأطر شبه طبية.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

في خطابه الملكي الموجه الى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الصحة التي انعقدت بمراكش بتاريخ 1 يوليوز 2013، سطر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الأهمية التي يكتسيها الولوج الى الدواء بالنسبة للمواطنين المغاربة مهيبا بالحكومة لأتخاد الاجراءات الضرورية لمراجعة أثمنة الأدوية من خلال تحيين الإطار القانوني المتعلق بها. وقد نبه جلالته إلى المكانة التي يحتلها الولوج إلى الأدوية كواحدة من الدعامات الماكرو-اقتصادية لتطوير قطاع الصحة واقتصاد البلاد بصفة عامة. وقام جلالته بهذه المناسبة كذلك بتسليط الضوء على خاصية “البحث والتطوير” المتعلقة بهذا المورد الاستراتيجي مع الالحاح على ما يلي: “إنه من الضروري كذلك…. تشجيع البحث والابتكار في ميادين الطب وعلم الادوية والصناعة الدوائية الوطنية” مقتبس من خطاب صاحب الجلالة.

وتنفيذا لهذه التوجيهات الملكية السامية، فإن استراتيجيتنا القطاعية 2012-2016، من خلال جملة من التدابير، تترجم جيدا هذه الارادة الملكية التي تطمح الى تحسين ولوج المواطنين إلى الادوية والعلاجات ذات الجودة.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

يمكن للمغرب اليوم الافتخار بتوفره على ترسانة قانونية غنية تمكنه من تقنين وهيكلة قطاع الادوية بفعالية وعقلانية. ففي هذا الإطار، قمنا مؤخرا بإنجاز ونشر ما مجموعه 20 نصا قانونيا وتنظيميا خاصا بالدواء والصيدلة (3 قوانين و4 مراسيم و13 قرارات) أذكر من جملتها:

  • القانون 84-12 المتعلق بالمستلزمات الطبية
  • القانون 28-13 المتعلق بحماية الاشخاص المشاركين في الابحاث البيوطبية
  • القانون 92-12 المتعلق باستيراد، تسويق، حيازة واستعمال المواد السامة
  • المرسوم 2-13-852 المتعلق بشروط وقواعد تحديد الاثمنة العمومية لبيع الادوية
  • المرسوم 2-14-841 المتعلق برخصة تسويق الادوية
  • والمرسوم 2-12-198 المتعلق بالتكافؤ الحيوي للأدوية الجنيسة،
  • القرار 787.14 المتعلق بمراجعة أثمنة البيع العمومية للأدوية الأصلية والجنيسة والبيو-متكافئة، المسوقة بالمغرب… وغيرها من النصوص القانونية…

بالإضافة إلى هذه الترسانة القانونية المهمة، يمكن لبلادنا الافتخار كذلك بصناعتها الدوائية الوطنية التي تعتبر جوهرة اقتصادنا وباكورة تكنولوجيتنا الوطنية.

فالمغرب يتوفر حاليا على 45 وحدة صناعية لإنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية، تمكننا من تغطية 65 بالمائة من حاجيات النظام الصحي الوطني، بينما توجه 10 بالمئة من هذا الانتاج نحو التصدير خاصة للدول الاوربية، الاسكندنافية، ودول الخليج وكذلك الدول الافريقية الشقيقة والصديقة.

من جهة اخرى، تتوفر بلادنا على 50 شركة لتخزين وتوزيع الادوية، وهي التي تقوم بتموين 10.000 صيدلية خاصة بصفة منتظمة.

ومن جهتها، تتوفر وزارة الصحة على مركزية للتموين خاصة بها (قسم التموين) وهو الذي يقوم بتزويد الصيدليات الجهوية والاقليمية بصفة منتظمة حسب نظام مضبوط يعطي الاولوية لمبدأ عقلنة استعمال هذا المورد الاستراتيجي. كما نتوفر على مرصد وطني للأدوية ومنتجات الصحة والذي يعتبر أداة فعالة لمراقبة وتتبع القطاع.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة

من أهم نتائج الاصلاحات السالفة الذكر نجد السياسة الدوائية الوطنية والتي تمت بلورتها بتعاون مع المنظمة العالمية للصحة بناء على مقاربة تشاركية وتشاورية.

إن الهدف العام لهذه السياسة الدوائية الوطنية هو المساهمة في التطبيق الفعلي لحق كل المواطنين المغاربة في الولوج إلى العلاج كما هو منصوص عليه في الدستور الجديد، وذلك بتأمين ولوجهم العادل والشامل للأدوية الاساسية ذات الجودة العالية وبأثمنة مناسبة وبضمان الاستعمال العقلاني لها.

وبالفعل، فإن السياسة الدوائية الوطنية حددت لنا 10 أهداف محورية تتعلق خاصة بأثمنة الادوية والاستعمال العقلاني لها. وهذه الأهداف العشرة تمت ترجمتها الى 35 التزاما سياسيا تحرص وزارة الصحة على تحقيقها بالتدريج، وقد قمنا بتحقيق البعض منها.

فقد قام المغرب مؤخرا بخفض ثمن 2000 دواء بنسبة انخفاض تتراوح ما بين 20 بالمائة و80 بالمائة. وفي هذا الإطار، هنئت المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة السيدة مارڴاريت تشان المغرب خلال الجمع العام السابع والستين لمنظمة الصحة العالمية، هنئت المغرب على سياسته الدوائية معتبرة إياها كتجربة ممتازة يجب على الدول الاخرى الاقتداء بها. وصرحت كذلك بأن المقاربة الدوائية للمغرب تتماشى مع إحدى أولويات المنظمة العالمية للصحة وهي ضمان ولوج الجميع للدواء.

وقام بنفس الشيء المدير التنفيذي لمنظمة الامم المتحدة للسيدا والذي هنئ بدوره المغرب على سياسته الدوائية الفعالة مسطرا على أن المغرب هو “المرشح الاكبر للعب دور الصيدلية الكبرى اتجاه القارة الافريقية برمتها” حيث أننا قمنا بخفض التكلفة السنوية لأدوية علاج السيدا بمؤسسات الخط الاول من 24.000 درهم للمريض إلى 960 درهما، أي بـ 25 مرة مقارنة مع التكلفة الأولية.

لكن ستبقى احدى منجزاتنا الاخيرة مرسخة في ذاكرة الوزارة والمواطنين كإنجاز تاريخي سيطبع لمدة طويلة المشهد الصيدلي الوطني والمشهد الوبائي لداء التهاب الكبد الفيروسيc. ويتعلق الامر بالتصنيع حديث العهد للدواء الجنيس لمادة “سوفوسبيفير” التي تم ترخيصها في السوق المغربية البارحة بثمن 3000 درهم للعلبة، أي 9000 درهم للعلاج الكامل عوض 800.000 درهم بالنسبة للدواء الاصلي، مما يشكل كلفة منخفضة بـ 89 مرة مقارنة مع الثمن الاصلي، وهو ما سيساهم بلا شك في القضاء على داء التهاب الكبد الفيروسي “س” بصفة نهائية في أفق سنة 2020 ببلادنا.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

إلى هذه الإنجازات، نطمح خلال سنة 2016، إلى المضي قدما في مسارات واعدة ومهيكلة للنظام الصحي الوطني، وبالأخص قطاع الدواء الصيدلة بالمغرب.

إن الانطلاقة الوشيكة للتأمين الصحي للمستقلين، خلال الأسابيع المقبلة إن شاء الله، تشجعنا على بذل كل جهودنا سواء منها القطاعية أو المشتركة بين القطاعات، من أجل إنجاح هذا المشروع الوطني الهام الذي سيرتقي بالمغرب إلى مستوى البلدان التي حولت نظامها الصحي وحققت التغطية الشاملة.

والنتيجة الطبيعية لهذه الأخيرة ستكون دون شك ارتفاعا في الطلب على الأدوية والمواد الصحية ذات الجودة، ولذلك وجب اقتراح بعض الإجراءات والتدابير الخاصة بقطاع الدواء والمتضمنة في سياستنا الوطنية الدوائية، وذلك من أجل الوفاء بالتزاماتنا الجديدة، وأذكر منها باختصار أننا سنعمل على:

  • إعادة هيكلة مجالس الهيئات الصيدلية، لكي تدعم الهيئة الوطنية للصيادلة والصيدليات وذلك بإنشاء 12 هيئة جهوية جديدة للصيادلة والصيدليات، مواكبة للجهوية الموسعة المعتمدة حاليا في المغرب.
  • تعزيز دور المرصد الوطني الأدوية والمنتجات الصحية، مع تركيز خاص على تجنب انقطاع المخزون.
  • إصدار مرسوم جديد في الأسابيع المقبلة (والذي تم عرضه على الأمانة العامة للحكومة) والمتعلق بتحديد أثمنة أكثر من 1000 مستلزم طبي مكلف والأكثر استعمالا في التكفل بمرتفقي مؤسساتنا الصحية.
  • تشجيع المصنعين الوطنيين فيما يخص التصنيع المحلي للأدوية، على غرار ما أنجزناه بخصوص علاج التهاب الكبد الفيروسي “س”، وذلك بتصنيع أدوية بعض الأمراض المزمنة والمكلفة. وفي هذا الإطار، توجد 10 أدوية مضادة للسرطان على لائحتنا الأولية للتصنيع المحلي.
  • إقناع الحكومة والقطاعات المعنية بضرورة إحداث “الوكالة الوطنية للدواء والمواد الصحية” التي سيكون لها دور فعال في تقنين هذا القطاع.
  • مواصلة تطوير الحوار الاجتماعي مع مهنيي القطاع وكافة الفرقاء والمتدخلين، مع تركيز خاص على علاقتنا النوعية بنقابات الصيادلة التي نعتبرها شريكنا المتميز في سياستنا الدوائية الوطنية الطموحة.
  • وبطبيعة الحال سنمضي قدما في تطوير التعاون “جنوب-جنوب” مع القطاعات الصيدلية للدول الإفريقية الشقيقة والصديقة، كما أراد له جلالة الملك محمد السادس نصره الله.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

إن تنظيم هذه التظاهرة يكتسي أهمية بالغة وخاصة بالنظر الى الفرص الاقتصادية المتعددة التي تتيحها وتوفرها القارة الافريقية والتنافسية المتزايدة للقوى العالمية العظمى للاستثمار في إفريقيا. وبالفعل، فإن هذه القارة الشابة تغدو، سنة بعد أخرى، أكثر جاذبية بفضل تنوع مواردها الطبيعية وقدراتها البشرية الكبيرة ورأسمالها اللا-مادي المهم، وكذا بالنظر إلى الإصلاحات المؤسساتية التي تحققت بها، مما يفرض علينا، نحن الدول الافريقية، بذل جميع المجهودات الضرورية وتظافرها من أجل النهوض بالتعاون “جنوب-جنوب” وتعزيزه على كافة الأصعدة.

وفي هذا الصدد، ووعيا منا بالتجذر التاريخي للمملكة المغربية في قلب القارة الافريقية، فقد جعل المغرب، خصوصا خلال العقدين الفارطين، من التعاون “جنوب-جنوب” إحدى أولويات سياسته الخارجية.

واليوم كما بالأمس، تضل المملكة المغربية ملتزمة، تحت التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتبادل الخبرات والدراية مع الدول الافريقية الصديقة والشقيقة من أجل تعاون “جنوب-جنوب” ديناميكي ومتزايد، يشمل جميع المجالات مع تسليط الضوء على قطاع الصحة وبالأخص في مجال الأدوية والصيدلة.

ففي خطابه السامي أمام المشاركين في القمة الثالثة “لمنتدى الهند – إفريقيا”، أبَى صاحب الجلالة إلا أن ينتهز الفرصة لمعاودة الدعوة الى توطيد هذا التعاون. فقد سلط جلالته الضوء على ذلك بقوله “إن التعاون جنوب-جنوب الذي نطمح إليه، ليس مجرد شعار أو ترف سياسي بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا، بحيث لا يمكن معها الاعتماد على أشكال التعاون التقليدية، التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا

ونود كذلك فتح آفاق أوسع أمام التعاون بين بلداننا، خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة الدوائية والبحث العلمي والتكنولوجي وتكوين الاطر. إننا أيضا حريصون على وضع هذا التعاون في خدمة الشعوب الافريقية” مقتبس من خطاب صاحب الجلالة.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

لقد شهدنا خلال العقدين الماضيين ارتفاعا تدريجيا للاستثمارات المباشرة للمغرب في الخارج وللفاعلين الاقتصاديين المغاربة في القارة الافريقية بالخصوص وكذا تطور المبادلات التجارية مع الدول الافريقية. وهمت هذه الاستثمارات عدة قطاعات استراتيجية لتنمية البلدان الافريقية سيما في ميدان صناعة الأدوية. كما عرفت المبادلات التجارية بين المغرب والدول الافريقية جنوب الصحراء تطورا مهما.

وتحقيقا لهذه الغاية، بينت الدراسة المعمقة لبنية الصادرات المغربية ميلها إلى التنويع والارتفاع القوي للمنتجات ذات القيمة العالية على غرار المعدات الصناعية وآليات النقل الزراعية والمواد الصيدلانية.

كما قام المغرب بتوفير الدعم التقني المتميز للدول الافريقية عبر توقيع أكثر من 80 اتفاقية خاصة بالتكوين والتعاون وذلك خلال الزيارة الملكية الأخيرة للدول الافريقية جنوب الصحراء.

إن التزام المملكة المغربية مع الاشقاء والأصدقاء الأفارقة لتطوير التعاون “جنوب-جنوب” لا سيما في مجال الصحة وخاصة في الميدان الصيدلي، مثال مليء بالوعود ويحتذى به.

وعود بقارة إفريقية فخورة بتراثها ومتوجهة بعزم نحو المستقبل؛

قارة إفريقية تؤمن بذاتها وبالتالي قادرة على تحويل مواردها الطبيعية محلياً لدعم اقلاعها الاجتماعي والاقتصادي؛

قارة إفريقية يكون رأسمالها الغير-المادي في تناغم تام مع ثروتها الوافرة بفضل مبادئ الحكامة الجيدة ومحطات التعاون وتبادل الخبرات.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

آمل أن يكون هذا الاجتماع الرفيع المستوى، الذي هو تجسيد لإرادة رؤساء الدول في مجال التعاون، خطوة حاسمة في سعينا المشترك لتطوير شراكة ذات منفعة متبادلة قوية ودائمة، وأن تترجم هذه الرؤيا المشتركة الى أعمال ملموسة ومشاريع قابلة للتطبيق من خلال التعاون “جنوب-جنوب” في الميدان الصيدلي.

وهنا أناشد القدرات القيادية لزملائي وزراء الصحة في الدول الشقيقة والصديقة الحاضرين من أجل إدامة هذه المبادرة المغربية وتنصيبها كتقليد يجعل من المناظرة حول الدواء والمواد الصحية موعدا حقيقيا تستضيفها كل سنتين إحدى الدول الافريقية التي قامت بإصلاحات تستحق التشاركية والإفادة في هذا المجال بهدف تعزيز الروابط وتشجيع الطموحات المشتركة.

وقبل أن أختم كلمتي أتوجه بالشكر الحار إلى السيد رئيس الحكومة، الأستاذ عبد الاله بنكيران، على دعمه المتواصل لقطاع الصحة وسنده القوي لبرامجنا ومخططاتنا التي تهدف إلى الرقي بالقطاع من خلال تقديم خدمات صحية في مستوى انتظارات المواطنات والمواطنين. إن هاجسكم هذا، السيد رئيس الحكومة، يشحذ عزائمنا في سبيل بذل المزيد من العطاءات وتحقيق أهداف استراتيجيتنا الصحية المنبثقة عن البرنامج الحكومي في هذا المجال.

كما أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى كل شركائنا المحليين والدوليين الذين يسهمون إلى جانبنا في تطوير المنظومة الصحية ببلادنا.

وأشكر أيضا بهذه المناسبة كل مهنيي قطاع الصحة، أطباء وممرضين وإداريين وتقنيين، على المجهودات التي يبذلونها، كل حسب مجال تخصصه، من أجل ضمان جودة واستمرار الخدمات الصحية في المرفق العمومي، رغم الظروف الصعبة وضعف الامكانيات التي سنعمل جاهدين على تطويرها بما يضمن ظروف عمل أحسن. وهنا أخص بالذكر كل مسؤولي وأطر مديرية الأدوية والصيدلة التي سهرت على التنظيم المحكم لهذه المناظرة الوطنية الأولى من نوعها وأقول لكم بكل افتخار أنكم تقومون بعمل جيد.

كما أُحيي بحرارة شركاءنا المتميزين مصنعي الأدوية على مواكبتهم القيمة لنا في إطار تفعيل السياسة الدوائية الوطنية.

كل الامتنان والتقدير للهيئات النقابية الصيدلية للقطاعين العام والخاص، والتي لا يمكننا تطوير المنظومة الصيدلانية والدوائية بدون مشورتهم ودعمهم ومساندتهم. أؤكد لكم أننا سنعمل، يدا في يد، لما فيه مصلحة القطاع ومن أجل تطوير ظروف عمل مهنيينا خصوصا منهم العاملين في مجال الدواء ومنتجات الصحة.

وختاما، أجدد الترحاب بجميع ضيوفنا وخصوصا أعضاء الوفود الافريقية الشقيقة والصديقة، وأتمنى لكم إقامة طيبة بالمملكة المغربية، كما أشكركم على حسن استماعكم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.