إن مما يؤسف له في دنيا الناس اليوم،أن نكران جميل الآباء وإهمالهما والإساءة لهما بكل ألوان الإساءات أضحى ظاهرة العصر،فأصبحنا نسمع عن أبناء يودعون آبائهم بالخيريات ومراكز الإيواء،وآخرون يضربونهم،وآخرون يرفعون دعاوى قضائية ضدهم ويقفون معهم في المحاكم بلا حياء،وآخرون يقاطعونهم،وآخرون يعيبون عليهم أفعالهم وسلوكاتهم وما أوصلهم إليه السن والكبر ، وآخرون ينفقون عليهم ولسان حالهم يقول متى نرتاح منهما ،وآخرون يمتنعون عن النفقة عليهم ويتمتعون بكل ملذات الدنيا ورغدها هم وأهليهم وآبائهم يعيشون الضيق والعسر والفقر ويتلقون العون والصدقات والزكوات من الأغيار المحسنين كما حدث للأم المناضلة المكافحة التي كافحت من أجل ابنها وتكبدت عناء العمل بالبيوت ومرارة الطلاق والمعاناة التي تقع فيها كل أم مطلقة حتى وصل إلى ما وصل إليه من الدرجة العلمية والمادية،وجازاها الجزاء الأوفى حيث رمى بها في غرفة فوق سطح أحد المنازل السكنية بحي دكارات فاس ونسي أو تناسى ما فعلت من أجله وما أوجبه الله تعالى من البرور بالوالدين والعناية بهما وخفض الجناح لهما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بالله عليكم أفبهذا السلوك سنتلقى رحمة الله وعونه وبركاته وفضله،أفبهذا الصنيع ستعم السعادة والطمانينة والراحة قلوبنا،أفبهذا الفعل الشنيع سيرحمنا الله في الدنيا و الآخرة وسنفوز بمرضاته، أفبهذا السلوك سيستقيم حالنا ويخرج الله تعالى من أصلابنا الصالحين البارين المستقيمين وهو الذي وصى بالوالدين خيرا وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر التي يعجل عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة،وجعل برورهما من أعظم الواجبات بعد التوحيد والإيمان به سبحانه قال تعالى :”اتقوا اللهولا تشركوا به شيئاوبالوالدين إحسانا” ،وقال أيضا :”وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياهوبالوالدين إحساناإما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما* فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما *وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة * وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل من يا رسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة” أي : كره وخزي وخاب وخسر وأغضب الله من آذى والديه أو أحدهما وأهملهما وأنكر جميلهما وفوت على نفسه فرصة التوسل بذلك لنيل رضاه سبحانه والتعرض لنفحات رحمته والفوج بجنته ، وفي هذا الحديث حث كبير على بر الوالدين بكل صوره وبيان لعظم أجره ، بل على الإنسان أن يتفنن في ذلك ويجتهد طاعة لله وطلبا لرضاه وفضله .
فعجبا كل العجب لمن متعه الله بوالديه و يفوت عليه فرصة نيل رضاهما وبرورهما والاستمتاع برفقتهما والاستمتاع بالنظر إليهما والحديث معهما والتوسل بذلك لنيل رحمة الله وفضله، ولكن ليعلم هؤلاء أنهم سيؤدون الثمن في الدنيا قبل الآخرة ،و أن سياتي عليهم يوم يتحسرون على ما فاتهم من برورهما،ولكن هيهات هيهات إذ سيكون الأوان قد فات والفضل قد انقضى و لن يستدرك ذلك لا بصدقة اليوم الثالث ولا السابع ولا الأربعين ولا الخمسين ولا السبعين ولا اليوم المئة ولا بالبكاء عند القبر ولا غير ذلك ، إذ ستكون الأقلام قد رفعت والصحف قد جفت .