لكل مجتمع خصوصيته التي تميزه على بقية المجتمعات، والتي يحكمها التاريخ والعرف والتقاليد وغيرها من الخاصيات التي تصنع لنا توليفة متناسقة وترتكز بالأساس على الوازع الديني للمجتمع والذي يكون مسيطرا بنسبة قد تقارب 80% أو تتجاوزها، وهذه الخصوصية تبدأ بتغيير جلدها مع مرور الزمن وتَغَيُر العصر وتَغَيُر الجيل، لكن دون الانسلاخ من الأساسيات والاخلاقيات والمعتقدات الصائبة منها بالأساس، لكن في مجتمعنا المغربي هل هناك تحاقن بين الأجيال للحفاظ على هذه الخصوصية؟ أم أننا لم نعد نملكها من أساسها؟ هل الانسلاخ الحاصل اليوم في المجتمع سببه الابتعاد عن ثقافته وعن الوازع الديني أم هي تلك التبعية التي خُطِط لها مسبقا من طرفٍ بعيد كل البعد عن محيط هذا المجتمع؟ ولماذا التبعية منحتنا ما هو سلبي وترك ما هو إيجابي دون الحفـــاظ عليه او استقطابه؟
تَعددت مظاهر التبعية التي تنال من المجتمعات كيفما كانت صلابتها فيكفيك الضحك على دقون الناس لكي تثير اعجاب الجميع ويصبحوا لك تابعين، فمن مظاهر التبعية فهناك التبعية التي كانت ولا زلت والتي يصطلح عليها تبعية الشيخ والمريد وهي تبعية أحيانا ايجابية بطبيعة المجتمع المغربي وتعتبر محببة رغم ان الدين يشترط فيها الكثير لكي تكون صحيحة، وهناك التبعية السياسية وأيضا التبعية الاقتصادية والتي تشهدها المملكة المغربية منذ استقلاله عن جمهورية فرنسا وما اصطلح عليه بالحماية الفرنسية للمغرب، بالإضافة الى التبعية التي هي على شكل اختيار القدوة، هي بعض من أشكال التبعية التي نلامسها اليوم في مجتمعنا المغربي و التي شخصيا أحبذ لو أن يكون هناك تشخيص و تحليل لمعطياتها و حيثياتها و أيضا تجلياتها رغم أن الامر صعب المراس، لأن هناك من تَخْدِمُ هذه المظاهر أجندته.
أما اهم إشكالية التي اليوم تواجهنا هي التبعية الغير مؤهلة كما أسميها أنا شخصيا والتي تجعلنا نطرح الالاف من الأسئلة والتي أهمها من أين لنا هذا؟ و الابتعاد عن التمحيص و التشخيص و التحليل المنطقي، المهم لا يهم فنجدنا اليوم نحتفل برأس السنة الميلادية التي تعتبر لنا ميلاد نبي الله المسيح عليه السلام –علما أن حتى العلماء المسيحيين لا يقرون ان ميلاد المسيح عليه السلام لا في شهر دجنبر و لا شهر يناير- بالإضافة الى الاحتفال مثلا بعيد الحب و الذي يرمز عند المسيحيين الى القديسين الذان يحملان اسم الفلانتين و أيضا يرمز لدى الرومان الوثنيين الى الحب الذي جمع بين قديسين أو حب بين الاهين و التي أكيد تدعو الى المثلية الجنسية و التي هي مرفوض شكلا و مضمونا لدى المجتمع المغربي أو على الأقل نسبة 99% منهم يرفضها، و هي قد تعتبر تبعية عمياء، بالإضافة الى مجموعة من الاحتفالات دون الحديث عن اللباس و التفتح و الحداثة و العلمانية و الديموقراطية و غيرها من المصطلحات التي أخدنا فيها الشق السلبي و تركنا الإيجابي منها –على الأقل لو كانت تبعية بكل جوانبها الإيجابيات منها و سلبياتها- للأسف نحن اليوم كشباب نجعل كل شيء مقبول دون أي تحليل منطقي و الرجوع الى التاريخ و الثقافة، لماذا اليوم نسمع من الجيل السابق كلمة ” جيلنا غير جيلكم” كأنهم يتنصلون مما يقع و لا يريدون تحمل المسؤولية مما وقع فيه الشباب اليوم.
في الختام أود أن أتطرق لما يعرف في علم الاجتماع “بنظرية التبعية” والتي لها من السلبيات ما يجعلنا اليوم كمجتمع نتمنى الموت على أن نكون تابعين لأحد ما، فالإجماع الحاصل بين المهتمين بعلم الاجتماع والباحثين فيه، يؤكدون أن التبعية أو ما يعرف بنظرية التبعية والتي هي نِتَاج أو من مخلفات الاستعمار، و التي جعلتنا نتحول من الاستعمار الجسدي والفعلي الى استعمار فكري وثقافي يطحن في موروثنا العلمي و الثقافي و الفكري والتي تعتبر أساس وجودنا و قوة تطورنا و إزدهارنا، ويدمرون لنا قدواتنا الحسنة، ويصنعون لنا منهم قدوات فاشلة فننتقل من القدوة الحسنة الى القدوة السيئة بنوع من السلاسة اللينة و منحونا نموذجا للنجاح و الازدهار، و بالتالي إن أساس الفقرة و التخلف الفكري و الثقافي و التخلف السياسي و عدم وجود استقرار سياسي في بلد معين هو راجع بالأساس الى نظرية التبعية –وهذا ما أجمع عليه الباحثون و المهتمون بعلم الاجتماع-، إذن الم يأني لنا أن نقف و نكون نحن كما كنا لا كما يريدون.
الكاتب : عبد الاله رشقي
عن موقع : فاس نيوز ميديا