المغرب تحت مجهر الجائحة..
بقلم : بلال البوارضي.. استاذ مادة الاجتماعيات بسلك الثانوي التأهيلي.
مناضل في صفوف التنسيقية الوطنية للاساتذة المتدربين 2015
فاعل جمعوي وعضو الشبيبة الاستقلالية بفاس
” خلف فيروس كورونا المستجد حدثا فارقا بالعالم، خلق ضجة لدرجة زعزعة استقرار الأمم، لا حديث اليوم لا في القنوات والإذاعات والصحف ومنابر التواصل العالمية إلا عن هذا الكائن الميكروسكوبي،الذي خرج من بلاد حفدة “ماو” وبدأ يصول ويجول حول أرجاء العالم، خلخل موازين هذا الأخير و بعثر حساباته السياسية والاقتصادية، بل حتى الاجتماعية. وبطبيعة الحال لم يستثني حينها المغرب الذي كان يستهين بهذا الوباء شأنه شأن باقي دول المعمور، لكن سرعان ما تسارعت الأحداث و أحس بخطورته بعدما ارتفعت عدد الإصابات والوفيات إلى الآلاف عبر العالم، لتجد الدولة ومؤسساتها محاصرة بعدو غير مرئي وفتاك…
من خلاها بدأ الكل يطرح أسئلته على اختلافها، كيف سيتعامل المغرب مع هذا الوباء؟ وما الإجراءات التي سيتخذها لمحاصرته؟ كيف سيوظف إمكانياته المحدودة للخروج بهذا الوطن الى بر الأمان؟.
يتفق الكل على أن المغرب بلد من البلدان النامية الذي لا طالما احتل مراتب متأخرة على جدول مؤشرات التنمية البشرية نتيجة للإمكانيات المحدودة.لكن تعامله مع (الوباء) بينت عكس ذلك باعتماده على آليات بسيطة لكنها كانت فعالة،منها المقاربة الأمنية الصرفة، والقيام بإصدار قوانين زجرية لحظر التجول، ومعاقبة كل المخالفين لهذا القانون،مع تشديد العقوبة للمستهترين أو من يروج عكس ذلك،و كذا توظيف السبل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتاحة لمحاصرة الوباء نذكر على سبيل المثال لا الحصر.
– إحداث صندوق كوفيد 19، الذي تمكن من جمع تبرعات من طرف المواطنين و المحسنين، و بواسطته تم صرف مستحقات مالية للأسر المعوزة، إضافة إلى تأجيل القروض البنكية للمقاولات الصغرى.
– نهج سياسة الضرب بيد من حديد على سماسرة المعاناة والأزمات الذين لطالما استغلوا المناسبات لرفع الأسعار، وتسخير دوريات لمراقبة الأسواق….
– خلق مراكز جديدة استشفائية للحالات المصابة…
مغرب كورونا ليس هو مغرب ما قبل كورونا، بين ليلة وضحاها أصبح مغرب آخر، مغرب التضامن والتكافل، أصبح الكل يعي حقوقه وواجباته، وما له وما عليه، مما جعل الغالبية تحس بخطورة الوضع، مما جعل الجهود تتكاثف ليبادر البعض بجمع تبرعات من طرف فاعلين مدنيين وتوزيعها على المحتاجين، وهناك من قام بوضع مصحاته وفنادقه رهن إشارة الدولة..أما شباب الوطن سخروا إمكانيتهم المتواضعة لتعقيم الشوارع و الأزقة، وهناك من الشباب من اختار مساعدة الناس في تنظيم صفوفهم للحصول على مبالغهم المالية عبر الأبناك، وكذا قضاء أغراضهم اليومية، بينما البعض ذهب بعيدا واختار الصفوف الأمامية في المستشفيات وممرات الشوارع لتوعية الناس مكرسين حياتهم لمساعدة المصابين و توعية المواطنين بهذا الوباء اللعين…. و كل هذا وعيا منهم ان “الوطن فوق الجميع”، وأن المرحلة تقتضي من الكل التضحية مع نكران الذات.
مع هذا النسق التصاعدي اختفت شخصيات السخافة والبلاهة، ومعهم عشاف البوز الهاوي، ليبدأ الكل يتنبأ ويطمح و يمني النفس كتنقسين الصعداء… وأن المغرب ما بعد كورونا سيكون مغرب آخر،ليبدأ معها السؤال الأنطولوجي: أي مغرب سيكون بعد هذه الجائحة؟؟؟
هذا السؤال صراحة لم يتجرأ عليه إلا غالبية الشباب الحالمين بمغرب يتسع للجميع ماديا ومعنويا، في وطن يقدس فيه المجد المجتهد، وطن لا يعترف بالزبونية والمحسوبية و”باك صاحبي”، وطن يعترف بك كمواطن، وليس بانتمائك العائلي الأرستقراطي… وطن تعي فيه جميع مؤسسات الدولة بالدور المنوط بها، و تحترم المواطنين باعتبارهم معادلة سهلة الحل وجب حلها بالعناية وبمناهج دراسية منقحة، بإعلام يحترم عقلية الإنسان المغربي، بمستشفيات تراعي حاجيات المغاربة وصحتهم، وكذا خلق فرص ومناصب للشغل، واعتماد المغرب على طاقاته الشابة التي يزخر بها، ويعطي من خلالها لكل ذي حق حقه وحجمه الحقيقي….
فيروس كورونا اعتبره غالبية المغاربة من مختلف مواقعهم هو “رب ذرة نافعة”، جاءت لتبين الصالح من الطالح،و قتلت السموم التي كانت تشكك في وطنية من كانوا ينادون بالإصلاحات الداخلية، و أتت لتبين أن الاعتماد على الشيخات والترويج للتفاهة لا يخلق إلا شعب تافه، وأن الأمم فعليا تحصد ما تزرعه، ليتبين بالملموس ان لا دولة بدون صحة وتعليم هادف، لا تنمية بدون احترام الكفاءات،لا تقدم بدون مختبرات علمية وطبية واجتماعية، ولا يمكن تحقيق هذا المغرب الا بإرجاع الأحزاب الوطنية إلى مكانتها الاصلية،التي لطالما كانت مشتلا يزخر بالكفاءات و الأطر،لعل تاريخ القرن 20 يشهد بذلك.