وجهة نظر الدكتور المهدي العزوزي محام بهيئة فاس حول مؤتمر الداخلة

كتاب و آراء – نشر الدكتور المهدي العزوزي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك وجهة نظره حول مجريات مؤتمر الداخلة حيث قال:

“مؤتمر الداخلة دروس و عبر.
نحو صحوة مهنية متفردة.
استقلالية _ حصانة _ وحدة.

لابد من التأكيد على أن تنزيل مؤتمر الداخلة على أرض الواقع فيه الكثير من الجرأة التي لن تستطيع العديد من المهن و الوظائف أن تقدم عليها خصوصا في ظرفية صعبة بل متأزمة تعيشها مهنة المحاماة من خلال تلقيها للعديد من الضربات بصدر رحب و في إطار بناء يروم تجديد فكر و عقلية المحامي(ة) فرديا و مؤسساتيا.
خصوصا و أن مهنة المحاماة تعيش ولادة جديدة متفردة، إذ يتمتع مؤتمر الداخلة بالعديد من الخصوصيات إن تنظيما أو عقلية أو فكرا و هو ما يقتضي إبداء ملاحظات أولية بخصوصها:
أولا : وحدة ترابية خالدة.
لابد بداية من التأكيد على أنه لا يمكن لأي كان أن يزايد على ارتباط المحامين الوثيق بوطنهم الحبيب عبر مر التاريخ و الذي يعبر تنظيم المؤتمر بمدينة الداخلة عن جزء من هذا الانتماء الضارب في التاريخ، و الذي شكل كذلك تكريم عدد كبير من المحامين الذي حضروا و حضرو للمسيرة الخضراء و ساهموا في إنجاح تلك المسيرة الخالدة جزء و الذي ساهمت فس انجاحه حنكة و لباقة نقيب من طينة الكبار.
1_ إن إختيار المكان و الذي هو الداخلة لإقامة المؤتمر – رغم المعيقات المسافاتية و الزمناتية_ يبعث بحق على الفخر و الاعتزاز بنضالات المحامين و المحاميات على مر التاريخ في الذود عن الوحدة الترابية و التي لم تكن يوما محل مزايدة، و هم بذلك في طليعة المدافعين عن الوحدة الترابية طبقا لمقتضيات الفصل 38 من الدستور المغربي.
2_ إن حضور فعاليات المؤتمر من طرف عدد كبير من النقباء الأفارقة و العرب و العديد من القناصلة و ممثلي الاتحاد الدولي للمحامين و توقيعهم على اتفاقيات تعاون فيه الكثير من الدروس و العبر التي ينبغي تلمسها و التي تجسد بحق العمق المغربي الأفاريقي و الاوربي.
ثانيا : السلطة القضائية و سؤال الحياد ؟
إن ما ترتب عن مضمون كلمة السيد الرئيس المنتدب خلال الجلسة الافتتاحية من نقاشات و تأويلات من طرف العديد ، وصلت في حالات عدد لحدود غير مسبوقة تطرح العديد من التساؤلات حول السبب و المآل الذي يمكن أن يترتب عن هذا الموقف.
1_ في البداية لابد من التأكيد على أن العلاقة التي تجمع هيئات المحامين بالسلطة القضائية و بالتبعية القضاء بالمحاماة كانت دائمة و لا تزال في مستوى من الرقي و النضج يصعب أن تنال منه نقاشات هنا و هناك، و ردود فعل صحية و موضوعية من طرف السيدات و السادة المحامون تروم الدفاع عن استقلالية مهنة المحاماة من أي تأثير خارجي مقصود أو غير مقصود.
2_ إن ما يؤطر عمل السلطة القضائية بعد دستور 2011 هو الاستقلالية عن السلطتين التشريعية و التنفيذية و هو ما ينص ليه الفصل 107 من الدستور المغربي.
و هو ما يؤكد على أن كلمة السيد الرئيس المنتدب قد تضمنت العديد من الجوانب التي جعلتها تتبنى و تنتصر لموقف السلطة التنفيذية بخصوص النقاش الحاصل حول مسودة قانون المهنة و ضرائب المحامين و تعاضدية هيآت المحامين بالمغرب و هو ما يستشف منه مساس بالاستقلال المفترض للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
3_ إن تضمين كلمة السيد الرئيس المنتدب لمقتضيات قانونية بشكل أو بآخر كان ينبغي أن يكون في جلسة تواجهية تسمح للمحامين بالمناقشة الموضوعية و البناءة و ليس القاء الكلمة الافتتاحية ثم الانصراف بشكل لا يكفل حق الرد الذي يعتبر حقا مرادفا و ملازما لحرية الرأي و التعبير المتحدث عنها.
4_ لا بد من التأكيد على هنالك خلط واضح بين القضاء كوظيفة و مهمة نبيلة و السلطة القضائية كمؤسسة دستورية لها اختصاصات حصرية حددها المشرع طبقا للدستور لا يجوز معها التوسع بشكل قد يؤثر على عمل القضاة و مهامهم و قناعاتهن.
و قد نصت مقتضيات الفصل 113 من الدستور المغربي على الاختصاصات الحصرية للمجلس الاعلى للسلطة القضائية (يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم.

يضع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بمبادرة منه، تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، ويُصدر التوصيات الملائمة بشأنها.

يُصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدإ فصل السلط)
و هو ما يدل على أن الانحياز بشكل غير مبرر لنقاشات تخدم سلطة أخرى يبقى غير موفق بحسب ما ينسجم و الفصل اعلاه.
5_ إن المنهجية الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و التي يستشف منها كذلك تجاوز الصلاحيات الممنوحة له دستوريا إلى مستويات أخرى و هي التأثير على القضاء أخذت تتضح من خلال إصدار بعض المنشورات و الدوريات التي تلزم القضاء بضوابط و إجراءات غير منصوص عليها قانون كما حصل مع الدورية التي تحث القضاة على احترام ضوابط غير منصوص عليها قانونا بمناسبة ممارسة دعوى التعدد و في ذلك مخالفة لمقتضيات الفصل 110 من الدستور المغربي الذي ينص على أن القضاة ملزمون فقط بتطبيق القانون و ليس دوريات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
6_ إن المكان الذي احتضن افتتاح المؤتمر و طبيعة المواضيع كانت تقتضي حكمة أكبر و موضوعية أشد و الكل من أجل خدمة القضايا الكبرى و العادلة للدولة و في مقدمتها الوحدة الترابية.
7_ إن الموضوعية كانت تقتضي حين التطرق لفصول قانون المهنة و خاصة المادة 39 الذي يلزم المحامي بممارسة مهامه و عدم عرقة سير العدالة أن يتم الوقوف كذلك عند مقتضيات الفصل 39 من الدستور الذي يتيح حق الإضراب لكل مواطن مغربي .
و بشكل آخر المفاضلة بين النصين من حيث القوة الالزامية و حقبة صدور كل مهما خصوصا أن الدستور لاحق على قانون المهنة.
و كل ذلك كان من الممكن مطارحته و مناقشته لو تعلق الأمر بندوة أو يوم دراسي و ليس جلسة افتتاحية تمرر فيها رسائل دون انتظار تلقي آراء الحاضرين.
ثالثا : جمعية هيآت المحامين بالمغرب و الحاجة للتحديث و التأهيل.
لابد من التأكيد على أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب كانت و لازالت تتمع بشرعية تاريخية لدى عموم المحاميات و المحامين.
غير أن العديد من التحولات التي حصلت في السنين الأخيرة و ليس خلال هاته الولاية فقط تدفعنا للتساؤل حول ما مدى ملاءمة هذا الإطار اليوم و مدى جاهزيته لمواجهة التحديات.
1_ بداية لا بد من التأكيد أن مهنة المحاماة لا تقبل اليوم الاشتغال بإطار يخضع لظهير 1958 الحريات العامة، إطار غير منصوص عليه في قانون المهنة، و في نفس الوقت لا تقبل أن يتم فرض مؤسسة جديدة تساهم في تراجع منسوب الاستقلالية في ممارسة المهنة .
و عليه فإن عمل الجمعية دون هيكلية غير واضحة و غير مؤسساتية يبقى غير مقبول اليوم و هو ما يتطلب أن تكون المؤسسة المفترض أنها ستكمل مسار الجمعية تضمن الاستقلالية و تضمن الموضوعية على مستوى العمل و أن يتم التنصيص على تشكيلتها و اختصاصاتها بقانون المهنة بشكل يحفظ التراكم الحاصل لدى عموم المحاميات و المحامين و في نفس الوقت يحدث نقلة نوعية في الممارسة المهنية .
2_ كما أننا في حاجة اليوم للوضوح و التواصل بشكل شفاف و آني لتجنب الكثير من الضبابية التي تشوب الممارسة المهنية.
رابعا : مؤسسات مهنية في حاجة للمزيد من المأسسة و التغيير.
إذ لا شك أن المنتقد لمسار جمعيات هيآت المحامين بالمغرب و للأدوار المنوطة بها فهو منتقد بشكل غير مباشر في بعض الحالات لعمل بعض المجالس و هو ما يقتضي مراعاة بعض الأفكار عند إعادة النظر في قانون المهنة من خلال ضمان التداول على مناصب المسؤولية و القطع مع احتكار المسؤوليات ، و إعادة النظر في الفئوية داخل المجالس، و استحضار مقاربة النوع و إدماج الشباب بعيدا عن عوائق السن و المدد طويلة الأمد.
هذه كانت بعض التصورات الشخصية التي نتوخى منها توضيح ما يمكن توضيحه رفعا لكل لبس”.

المصدر : فاس نيوز ميديا