بَعْدَ الحديث الصاخب المحتدِمِ حولَ قضيةِ تَرَامِي النّائب الأوّل لـرئيسِ جماعة إغزران، التابعة ترابيًّا لإقليم صفرو، على حَوالي ثلاثة هكتارات من الملك الغابويّ واستغلالها فلاحيًّا. بعد اجتثات أشجار البلوطِ وأشجارًا مُعمّرةً أخرى يحرّم القانون الدّولي ومُنظمات البيئة العالــميّة المساسَ بها؛ فما بالكم: اجتثاثها واقتلاعها؟ يتساءل المواطنُ الــمغربيُّ -بعدَ هذا التّدمير المقصود للغابة بما هي مَوطِنُ الحياة ورئتُها، ومزارُ الرعاةِ ومصدر رزقهم، ومأوى النبات والحيوان- عن دور القوانين والمؤسّسات وجدواهَا، حين تُحْجِمُ عن التدخُّل السّريع الزّاجر لأفعالٍ ما زالت مستمرّة لحدّ اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال.
فطبقًا للقانون المنظِّم للجماعات 113.14، وتخصيصًا في الباب الأوّل المتعلّق بصلاحيات مجلس الجماعة، تنصُّ المادّة 92 منه، أنَّ مجلس الجماعة يحدِّد الشروط الخاصة بالمحافظة على الملك الغابويِّ وحمايته داخل إطار ما تخوله القوانين وليس العكس. والحالة هذه، نتساءل، بضربٍ من فضول معرفة القانون فقط: ما المقصود بمبدأ التراتبية الإدارية والقانونية؟ ما طريقة تفعيل مقتضيات التّدبير التشاركيّ؟ هل يمكن، قانونيا، أن يستفرد مسؤول بقرار تدبيري دون باقي أعضاء المجلس؟ ثم إن هناكَ سؤالاً أكثر إلحاحًا: لماذا هذا السكوت والتلكؤ في تنفيذ الأحكام الصادرة في حق المعني بالأمر؟ لـمَ لا تتدخّل الجهاتُ المسؤولة لإيقاف عمليات الاجتثات المستمرّة لحدّ السّاعة؟
جديرٌ بالذّكر أنَّه قد سَبَقَ صدورُ حُكمين قضائيين في حقّ المعنيِّ بالأمر. فِبنَاءً على تبليغات إدارةِ مديريّةِ المياهِ والغاباتِ، المشرفة على المنطقة، بعمليات اجتثات الملك الغابوي دون سندٍ قانونيٍّ؛ حيث أنجز أعوانها محاضر متابعةٍ اعترف فيهما المعني بالأمر بالوقائع المنسوبة إليه. لتتتابع النيابة العامّة، بالمحكمة الابتدائية بصفرو، بعدَ ذلك، المساطرَ القضائيّة، استنادًا إلى ما نُسِبَ للنائبِ من أفعالٍ أفضتْ إلى الحكمِ عليهِ بأداءِ غرامتينِ ماليتينِ وتعويضٍ ماديٍّ لفائدةِ إدارةِ المياهِ والغاباتِ. ورغم كلّ هذه العقوبات فإنّه ما زال يستغلّ المساحات التي استولى عليها.
إنّ كلّ الأفعالِ الــواردة أعلاه، والتي قامَ بها نائبٌ مفروضٌ فيه التحليّ بروح الوطنيّة وتشرّبها من الخطابات الملكيّة السّامية، تجعلنا كمواطنين نتساءلُ: أينَ السّيد النائبُ من الجدّية التي أكّد عليها جلالة الملكِ محمد الساس نصرهُ الله في خطابِ العرش الأخيرِ كَبَنْدٍ من بنود الوطنية الصادقة الوفية؟ أين نكرانُ الذاتِ والإيثار والوفاء الوطنيّ الخالص النابع من قيم العقيدة والتاريخ والحضارة؟ إن من يقطعُ شجرةً معمّرةً، بحسٍ ميتٍ متبلّد، قد فرغت نفسه، قطعًا، من الجمالِ واستوطنها الجشع؟ والسؤال الأخير: من سيربطُ المسؤولية بالمحاسبة ويحلُّ القانون في هذه الواقعة الأليمة!!!
بقلم : سيف أقشمار
عن موقع: فاس نيوز