عرف المغرب منذ قرون تعددية ثقافية ولسانية غنية تشكلت من تفاعل الأمازيغية والعربية والإسلام والروح الإفريقية والمتوسطية. لكن في العقود الأخيرة، ومع تنامي الحراك الهوياتي في المنطقة، بدأت بعض الجهات تحاول توظيف هذه التعددية في لعبة سياسية تهدف لا إلى التثمين، بل إلى التشتيت.
الأمازيغية: مكون أصيل لا خلاف عليه
لا يمكن إنكار أن الأمازيغية جزء لا يتجزأ من هويتنا الوطنية المغربية، وهي لغة وثقافة وحضارة لها امتداد تاريخي عميق. وقد خطا المغرب خطوات مهمة في الاعتراف بها، بدءًا من إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وصولاً إلى ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011.
لكن هذا التقدم في الاعتراف لم يكن دومًا نزيهًا أو بريئًا في توظيفاته.
حين تصبح الهوية ورقة في لعبة النفوذ
بعض الأطراف، سواء داخل المغرب أو خارجه، بدأت تستغل القضية الأمازيغية كأداة ضغط أو تفريق، تارة بدعوى “تحرير الهوية من العروبة”، وتارة باسم “محاربة التهميش”، وأحيانًا بأساليب تتجاوز المطالب الثقافية إلى خطاب عدائي صريح ضد مكونات أخرى من الهوية الوطنية، خاصة العربية والإسلامية.
هذا التوظيف لا يخدم الأمازيغية ولا العربية، بل يسعى إلى خلق انقسامات عمودية داخل المجتمع المغربي، وزرع الشكوك بين مكوناته، واستثمارها سياسيًا لتأجيج الصراعات أو خلق معسكرات متقابلة
بين النضال المشروع والتسييس المغرض
النضال من أجل النهوض بالأمازيغية حق مشروع، بل هو واجب وطني. لكن الفرق كبير بين من يسعى لتعزيز التعددية الثقافية في إطار الوحدة الوطنية، ومن يحرك خيوط اللعبة لإذكاء صراعات هوياتية مفتعلة.
هنا يظهر دور المجتمع المدني، والمثقفين، والإعلام، بل والدولة نفسها، في توجيه النقاش نحو التكامل لا التصادم، وفي فضح من يحاولون توجيه الخطاب الأمازيغي نحو مسارات انفصالية أو استئصالية.
الهوية المغربية مثل فسيفساء متداخلة؛ قوتها في تنوعها، وثباتها في وحدتها. الأمازيغية ليست تهديدًا، بل رافدًا من روافد الغنى المغربي، لكن متى ما استُغلت بخلفيات أيديولوجية أو بأجندات خارجية، قد تتحول من جسر تواصل إلى أداة تفريق.
فلنحمِ الأمازيغية من التسييس، ولنحمِ المجتمع المغربي من التقسيم.
مقال رأي لبريكي