لا شك أن قناة الجزيرة الإخبارية تمكنت خلال العقدين الماضيين من وضع دولة قطر الصغيرة على خريطة الدول الأبرز عالميا، فقد مثلت القناة نافذة تطل منها هذه الدولة التي تعتمد أساسا على صادرات الغاز والنفط .
وبفضل الجزيرة تمكنت قطر من لعب دور إقليمي أكثر تأثيرا، وهو الأمر الذي توج بحصولها على حقوق تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
ومع ذلك تثور مخاوف كبرى من أن مستقبل القناة قد يكون في خطر كبير نتيجة الأزمة الاخيرة التي تشهدها منطقة الخليج، ولقد تسببت الجزيرة سابقا في أزمات ديبلوماسية بين قطر وعدة دول أخرى منها مصر والمملكة العربية السعودية والعراق ودول أخرى وربما تكون أبرزها تلك الازمة التي نشبت بين مصر وقطر بعد سقوط نظام حسني مبارك وجاءت بعد أزمات سابقة بين البلدين للسبب نفسه.
وبعد إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي تزايد التوتر بين البلدين وكانت الجزيرة أحد أبرز الأسباب.
أزمات سابقة
وقبيل الأزمة الاخيرة قررت عدة دول حظر موقع الجزيرة على شبكة الإنترنت وضمنها الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين وبعد نحو أسبوعين من ذلك القرار أقدمت الدول نفسها على قطع علاقاتها بدولة قطر في إحدى أسوأ الأزمات في منطقة الخليج منذ عقود..
وأقدمت السعودية على إغلاق مكتب قناة الجزيرة في الرياض وسحبت ترخيص عمل القناة مؤكدة أنها تدعم “مخططات الحوثيين الإرهابية” خلال المعارك التي تخوضها المملكة معهم على حدودها الجنوبية الغربية.
وقد تكررت هذه النبرة والاتهامات كثيرا في التعامل مع الجزيرة التي تنفيها دوما وتؤكد استقلال سياستها التحريرية بشكل كامل.
والآن تجد قطر نفسها معزولة وهي تواجه أزمة كبرى، إذ أصبح مطار حمد الدولي في الدوحة شبه مهجور وبدأ السكان في الشعور بالقلق وباشروا تخزين الطعام.
ومن الطبيعي أن تجد قطر نفسها عرضة للضغوط لتقديم تنازلات بحثا عن حلول وتسوية للأزمة.
إغلاق ام تغيير؟
ويقول فراس كيلاني، موفد بي بي سي عربي إلى الدوحة، إن مصادر أخبرته أن تعديل السياسيات التحريرية في وسائل الاعلام سيكون شرطا أساسيا في المفاوضات مع قطر.
وقد لا تُغلق قناة الجزيرة لكن قد تتغير سياستها التحريرية بينما تواجه شبكة التلفزيون العربي في لندن سيناريو الاغلاق التام.
كما يقول الكاتب الإماراتي سلطان سعود القاسمي في مقال له إن “قناة الجزيرة شكلت نقطة خلاف بين دول الخليج بشكل مستمر حتى قبل تغطيتها لأحداث الربيع العربي”.
ويوضح القاسمي أن القناة أغضبت السعودية عام 2002 بسبب تغطيتها لخطة السلام السعودية لتسوية الأزمة الفلسطينية وتصاعدت الأزمة لحد سحب الرياض سفيرها من الدوحة لمدة 6 سنوات.
وفي عام 2014 تعهدت قطر بعدم التدخل في شؤون جيرانها في الخليج كشرط لتسوية أزمة ديبلوماسية أخرى بسبب سحب السعودية والإمارات والبحرين سفرائهم من الدوحة.
هذه المرة يتوقع القاسمي أن يطالب جيران قطر بإغلاق الجزيرة كشرط لقبول أي وساطة لتسوية الأزمة وهو الأمر الذي قد يشكل ضربة لطموحات قطر الإعلامية ولمستقبل موظفيها الذين يزيد عددهم على 3 آلاف شخص سواء في الدوحة أو في مختلف أنحاء العالم.
ويرى دافيد روبرتس، الخبير في الشؤون القطرية في كينغز كوليدج في لندن، أن قناة الجزيرة ستكون بالطبع على رأس قائمة أولويات الدول المقاطعة لقطر للتوصل إلى حل للأزمة.
وقال روبرتس لبي بي سي “لكن ستكون هناك مفاوضات بالطبع ولا توجد أي ضمانة لقبول قطر بالإذعان لهذه المطالب”.
ويضيف “رغم أن قناة الجزيرة العربية قد خفضت من نبرتها بشكل كبير في الآونة الأخيرة إلا أنها تبقى مستفزة لمصر بشكل خاص”.
تغيير اللهجة
في عام 2007 ترددت أنباء مفادها أن قطر تعهدت بتغيير سياستها لاسترضاء السعودية وإنهاء أزمة ديبلوماسية معها وبناء على ذلك صدر قرار في الجزيرة بعدم تناول أحداث تمس السعودية دون الاستشارة مع القيادات العليا، وذلك حسب ما أكد احد العاملين في غرفة التحرير بالقناة لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قائلا “جميع الأصوات السعودية المعارضة اختفت من الشاشة”.
ومع ذلك يرى بعضهم ان فكرة إغلاق قناة الجزيرة لن تكون أمرا أساسيا لتسوية الأزمة الحالية بل يكفي تعديل سياساتها فقط.
وتقول نهى ميلور، الخبيرة في وسائل الإعلام العربية والمحاضرة في جامعة بدفوردشير البريطانية، إن هذا الأمر بالطبع يتطلب تغييرا في لهجة الدول التي تمولها.
وتضيف ميلور “ربما يكتفون بتهدئة النبرة الإعلامية بالتزامن مع التهدئة في السياسة الخارجية أيضا لأن سياسة قطر الخارجية بحاجة لتخفيض نبرتها وطموحاتها”.