يخلد المغرب، اليوم الأحد 18 نونبر الجاري، الذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال المجيد، الذي يمثل أحد المنعطفات التاريخية التي طبعت مسار المملكة وجسدت لالتحام العرش والشعب من أجل الانتصار على المستعمر واسترجاع الحقوق المسلوبة، والكفاح من أجل الحرية والكرامة والسيادة، والدفاع عن المقدسات الوطنية.
وتتميز هذه الذكرى المجيدة برمزية خاصة لما تحمله من قيمة تاريخية كبرى ودلالات رمزية عميقة في سجل تاريخ الكفاح الوطني من أجل الاستقلال والتحرر من نير الاستعمار الغاشم وإرساء الأسس الأولى لمغرب مستقل وحديث وموحد يستشرف مستقبلا واعدا.
وتجسد هذه المناسبة كذلك أسمى مظاهر التلاحم والترابط التي تجمع بين العرش العلوي الشريف والشعب المغربي الأبي، وبرهانا على العهد الوثيق القائم بين الطرفين، للمضي قدما على درب تحقيق النمو والازدهار في كل المجالات وبلوغ المملكة المكانة التي تستحقها بين دول العالم.
ورغم محاولات المستعمر الدؤوبة، سواء الفرنسي أو الإسباني، طمس هوية المغاربة ونهب خيراتهم ومواردهم والسيطرة على مؤسساتهم وتزوير تاريخهم، إلا أنه اصطدم بمقاومة شرسة من قبل الشعب المغربي، بقيادة الأسرة الملكية، حيث لم يستسلم يوما، وظل مصرا على التشبث بعرشه ووحدته الترابية، ومعطيا بذلك دروسا في المقاومة والنضال في أسمى مظاهره.
وباستحضار الأحداث التاريخية التي واكبت كفاح المغرب في سبيل استرجاع استقلاله، يبقى نفي جلالة المغفور له محمد الخامس والعائلة الملكية إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر الحدث الأبرز الذي أفاض كأس الغضب الشعبي، وساهم في اندلاع ثورة الملك والشعب في 20 غشت 1953.
وبعد هذه المحاولة اليائسة من المستعمر لإبعاد الملك الراحل محمد الخامس والأسرة الملكية عن رعاياه الأوفياء، تعبأ المغاربة بكافة أقطابهم وناضلوا بشتى الطرق، حتى تحقق المراد وعاد رمز الوحدة الوطنية جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى، معلنا بذلك انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال.
وشكل الاستقلال نصرا مبينا وحدثا تاريخيا حاسما، وتتويجا لمراحل الكفاح المرير الذي خاضه العرش والشعب في مواجهة الوجود الاستعماري المفروض منذ 30 مارس سنة 1912، حيث خلد المغاربة أروع صور الغيرة الوطنية ونكران الذات والالتزام والوفاء، وبذلوا أغلى التضحيات في سبيل عزة المملكة وكرامتها والدفاع عن مقدساتها.
ولا يمكن نسيان الجهود الجبارة التي قامت بها الحركة الوطنية في سبيل تحرير الوطن من قبضة المستعمر، حيث عملت على نشر الوعي الوطني في صفوف الشباب وداخل أوساط المجتمع المغربي بكل فئاته، كما أنها عملت على التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية، مما جلب عليها غضب وطغيان المستعمر الذي كان يواجه النضال السياسي الوطني بإجراءات تعسفية وانتقامية.
وبعد تحقيق الاستقلال، دخلت المملكة المغربية في حقبة جديدة، تمثلت في مقولة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه الشهيرة “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، حيث انخرطت المملكة في العديد من الإصلاحات التي أطلقها أب الأمة وهمت كل القطاعات الحيوية من أجل بناء المغرب الجديد ومواصلة ملحمة تحقيق الوحدة الترابية.
وسيرا على نهج والده المنعم، خاض جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني معركة استكمال الوحدة الترابية، فتم في عهده استرجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، كما تحقق استرجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975، كما حرص جلالة المغفور له الحسن الثاني على بناء دولة القانون والمؤسسات الحديثة، وإرساء نظام سياسي وديمقراطي يُحتذى به.
واستلم بعد ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله المشعل، مؤسسا لمملكة القرن الواحد والعشرين، مملكة عصرية ومتقدمة ومنفتحة وذات مكانة بارزة على المستوى الإقليمي والدولي، مكرسة لقيم التسامح والتعايش وفقا لمبادئ ديننا الحنيف.
ودشن جلالته عهد الأوراش الكبرى والمشاريع التنموية والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مكنت المغرب من رفع تحديات الألفية الثالثة، وكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة والمندمجة، لإعلاء مكانة المملكة بين أمم وشعوب المعمور.
و.م.ع
عن موقع : فاس نيوز ميديا