أرضية المائدة المستديرة حول “حركة 20 فبراير بعد سنة

توصل الموقع الاخباري فاس نيوز برسالة الكترونية من لجنة العمل الحقوقي وسط الشباب هذا ما جاء فيها:

 

أرضية المائدة المستديرة حول "حركة 20 فبراير بعد سنة

بعد مرور سنة على ميلاد حركة 20 فبراير التي شكلت امتدادا للثورات العربية والمغاربية واذخلت المغرب الى زمن الربيع العربي بما يحمله من مطالب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تعبر عن هموم وواقع شعوب المنطقة وآمالها وتطلعاتها ذات البعد الديمقراطي والحداثي، اصبح من الضروري اليوم على جميع الفاعلين ذاخل هذا الحراك المجتمعي تقييم التجربة والوقوف عند مميزاتها واخفاقاتها لاستخلاص الدروس والعبر وتحصين المكتسبات وتفادي تكرار نفس الأخطاء وتحديد مهامها المستقبلية.
ضمن هذا السياق نتقدم بهذه الارضية التي تلامس اهم الاشكالات التي تواجه اليوم الحركة والتي أصبحت الإجابة الجماعية عنها ضرورة ملحة لقياس طبيعة التحديات التي تواجه الحركة والتي تفرض عليها تجديد نفسها.
يبدو ان الحراك السياسي الذي عرفته المنطقة العربية والمغاربية وما اسفر عنه من تهاوي بعض الانظمة، كنظام بن علي ونظام حسني مبارك قد ساهم بشكل كبير في ولادة حركة 20 فبراير. فالانتفاضات والثورات التي قامت ضد الانظمة السلطوية التي كانت تتحكم في شعوب المنطقة والتي اندلعت في كل من تونس ومصر حتى انتقلت الى مختلف الدول العربية والمغاربية وفق خصوصية كل نظام ومدى قدراته وامكانياته في التحكم في مجريات هذه الانتفاضات والثورات التي كانت تطالب بالديمقراطية شكلت نموذجا سياسيا انتشرت عدواه لتشمل المغرب.
 ولعل هذا الوضع السياسي الذي تعرفه دول المنطقة العربية والمغاربية، بعد فترة من الجمود السياسي، افرز حركية سياسية لعب فيها شباب الفيسبوك ادوارا طلائعية في الدفع بهذه الحركية وانجاحها، كما حرك بعض الشباب لاقتراح الخروج الى الشارع للتعبير عن بعض المطالب السياسية، حيث ظهرت مجموعات على موقع الفيسبوك اجتذبت آلاف المشاركين على الانترنت، واقنعتهم بالخروج في احتجاجات يوم الاحد 20 فبراير 2011 في مختلف انحاء المغرب. حيث تم رفع مجموعة من المطالب السياسية كاقرار دستور ديمقراطي شكلا وضمونا وتصديقا ومكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين والقطع مع سياسات اقتصاد الريع والافلات من العقاب…
يتجسد المنحى السياسي للحركة في الارضية التأسيسية التي بلورتها مختلف التنسيقيات التي تزعمت الحركة. فقد تضمنت احدى اولى الوثائق التاسيسية الصادرة يوم 27 يناير 2011 والتي حملت اسم (البلاغ التاسيسي لحركة حرية وديمقراطية الآن) خمس مطالب سياسية من اهمها : ( حل البرلمان والاحزاب التي ساهمت في ترسيخ الفساد السياسي) (والغاء الدستور واعلان لجنة تاسيسية من كفاءات هذا البلد النزيهة لوضع يعطي للملكية حجمها الطبيعي). كما ركزت وثيقة اخرى على ضرورة اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والغاء دستور 1996، ومحاكمة المتورطين في قضايا الفساد وانتهاكات حقوق الانسان.
كما ورد في ارضية متفق عليها بين مختلف الحركات التي انطلقت من النقاش على ارضية الفيسبوك مايلي "وضع دستور ديمقراطي يضمن سيادة الشعب ويقر فصل السلط" ويسعى  الى "اقامة نظام ديمقراطي برلماني يرتكز على القطع مع نظام الحكم الفردي المطلق".
تستمد حركة 20 فبراير خصوصيتها من كونها ليست تنظيما سياسيا او حركة سياسية بالمفهوم التقليدي للحركات او القوى السياسية المتعارف عليها. فهي ليست حزبا، او نقابة، او جمعية، بل هي قبل كل شيء حركة شعبية ظهرت كظاهرة سياسية جديدة في المشهد السياسي بالمغرب لتعكس مطالب العديد من الشرائح الشعبية. فهي بمثابة صوت الشعب المباشر الذي ينزل الى الشارع للتعبير عن آرائه بدون وساطات. ولعل هذا الطابع الشعبي الذي يميز الحركة يرجع بالاساس الى ثلاث خصائص تتمثل في بنيتها الهلامية، وانفتاحها على مختلف الاطياف والشرائح والتيارات، وتوظيفها للشارع كمجال رئيسي للتعبير عن مطالبها.
فزخم الحركة وحيويتها يتمثل بالاساس في انها لاتخضع للمعايير والمساطير الموضوعة من طرف السلطة. فهي استمدت وجودها من الزخم الشعبي، واستمدت شرعيتها من مطالب مختلف الفئات والشرائح التي تعبر عنها، وحظيت بمساندتها غير المشروطة. كما ان المسيرات التي نظمها الحركة، اتسعت لمختلف الأطياف والقوى التي كانت تتنافس لاسماع صوتها من خلال الشعارات التي كانت ترددها، وطريقة التنظيم التي كان ينهجها كل تنظيم. ولعل الشعارات التي كانت ترفع من طرف في مسيرات الحركة كانت تعكس الى حد كبير هذا التنوع في المكونات التي تشارك في الحركة، فرغم اختلاف المرجعيات، فالأرضية التأسيسية للحركة هي التي أطرت تحركاتها وتظاهراتها وبرامجها النضالية.
إن قوة الحركة تكمن بالاساس في تحولها من حركة افتراضية يتواصل اعضائها عن طريق المواقع الاجتماعية الى حركة تكتسح الشوارع والساحات العمومية حتى أصبحت مرتبطة بالشارع ارتباطا شبه وجودي. اذ من الشارع تعبر عن مطالبها، وتوجه رسائلها المباشرة الى من يهمه الأمر. فالحركة منذ ظهورها داومت على النزول الى الشارع في نهاية كل اسبوع على الرغم من كل المستجدات (دخول دستور فاتح يوليوز 2011 حيز التنفيذ، انتخابات 25 نونبر 2011، العطلة الصيفية وشهر رمضان…) فهذا النزول الاسبوعي للشارع انهك الحركة وأثر على زخمها.
 بالنظر الى مكاسب وحصاد الثورات العربية وما احدثته من تغييرات جذرية، فهي لعبت دور المحفز لحركة 20 فبراير في الاستمرارية والرفع من مستوى صبيبها الاحتجاجي، خصوصا وان الاستجابة للمطالب ظلت قابعة فيما هو قانوني/ معياري، لاتشفي غليل تعبيرات الذات السياسية الشبابية التي تبتغي اصلاحات عينية آنية، وهذا الامر بادي للعيان من خلال عدم التفاعل الايجابي لحركة 20 فبراير مع الدستور ومقاطعتها للاستفتاء وانتقادها للانتخابات التشريعية، على اعتبار ان كل هذه الخطوات لاتعبر عن وجود ارادة حقيقية للقطع مع الممارسات الماضية، وجل هذه المبادرات الاصلاحية لاتمس جوهر المشكل ان على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهي كلها اجراءات تصب كلها في اتجاه مايعبر عنه ب "تحديث السلطوية".
فقد تمكنت حركة 20 فبراير من الاستمرار والصمود رغم اشكال الضغط التي ووجهت بها، صحيح ان الحركة  عرفت مدا وجزرا لكنها لازالت حية ومنتقدة. وصحيح أن الحركة تعيش مشاكل لكن ليس من شانها ان تفضي الى انطفاء جذوتها من جهة ومن جهة ثانية، لم تحدد الحركة إلى حدود الآن مهامها الآنية والمستقبلية ومن جهة ثالثة لازالت الحركة تخترقها الكثير من التناقضات والاختلافات ومن جهة رابعة تعيش الحركة انزلاقات وانفلاتات، ومن جهة خامسة تخوض  الحركة بعض المعارك وتفشل في بعضها وتخضع فيها لنوع من الحمولة الأصولية بكل أشكالها، وسادسا لم تتمكن الحركة من استقطاب فئات عريضة من الطبقة المتوسطة والشعبية فهي لم تنجح الى حد الساعة في توحيد الحراك الاحتجاجي المغربي باوجهه المتعددة كما لم تستطع تحديد علاقتها بمجالس الدعم بما يخدم استقلاليتها.
 وعموما، فان الحركة اذا استطاعت ان تخلخل بشكل كبير المشهد السياسي، وتحرك الطبقة السياسية في فترة زمنية معينة، فقد حان الاوان، لتقف الحركة وقفة تأمل تقف عندها على انجازاتها واخفاقاتها وتحدد رؤيتها الإستراتيجية على المدى المتوسط والطويل وتقعد وجودها كحركة  شعبية ذات مطالب كبرى تستهدف مواجهة كل مظاهر الفساد الذي يتشكل من نخبة من المنتفعين والمستفيدين من الوضع السياسي/الاقتصادي القائمين. فهل لازالت للحركة تتوفر على مقومات تشكل من خلالها قوة معارضة وسلطة مضادة ؟ وهل بإمكانها أن تفرض نفسها كقوة اقتراحيه ومأثرة في الرأي العام ؟ هده الإشكالات وغيرها التي تواجه الحركة نتمنى من هده المائدة المستديرة أن تساهم في الإجابة عليها.