ونحن نقترب من يوم الاختبار/ الانتخابي للسابع من أكتوبر الذي تعز فيه اللائحة أو تدل . وفي لحظة تفكير غافلة تذكرت قواسم قصة ترددت على مخيلتنا ونحن صغارا بالتفكير والتحليل الحدسي، إنها قصة” النملة والصرصار ” . نعم، قصة بألسنة الحيوانات لكنها بالمقابل هي وصف ذكي لكل تمفصلات الانتخابات التشريعية المغربية .
وتحكي القصة سجالا دار بين صرصار ونملة بزمان الصيف وموسم الحصاد وتخزين المؤونة، حيث تصور لنا القصة النملة في جد مستمر تجمع القمح وموارد الدعم للفصل المطير، في حين يجلس الصرصار القرفصاء وهو يعزف على وثر الفرح ويصفق بيديه فرحانا بتموقعه العاجي على رأس جماعة الصراصيرالصغار.
السؤال الذي بدأ يلوح في مخيلتنا جميعا ، ما سر علاقة قصة النملة والصرصار بانتخابات السابع من أكتوبر ؟ . السر كامن في أن نمذجة من الأحزاب السياسية المغربية تنقسم إلى فئتين، الأولى فئة تتخذ من وجهة تفكير النملة أهدافا مستقبلية لها، فيما الفئة الثانية فهي تتغطى بمرجعية مسلك الصرصار و الإكتفاء بعيش الحياة لحظة بلحظة والاستنفاع من الفرص المتاحة عند موعد كل استشارة انتخابية .
الآن توصيفنا للأحزاب السياسية المغربية لن ينصرف إلى الدلالة التشبيهة بالأسماء، بل إلى نوعية التقابلية في الأفعال والتوجهات التقايسية لكل واجهات تصرفات الصرصار والنملة.
فطيلة مدة خمس سنوات وتزيد، هناك أحزاب تكون خارجة التغطية التواصلية، أحزاب تلحظ كوادرها الكبار تتناحر باحتلال المواقع داخل الشبكة المتحكمة في الحزب بالقوة أو الإنشطار النووي، أحزاب تلهو مثل الصرصار وتجدها حاضرة في الأعراس والولائم المليحة، كما في المآتم ولو لأجل أخذ صورة تسوق في المواقع الاليكترونية، وتعلن من خلالها للجميع أنها لازالت واجبة الوجود بالحياة، أحزاب تغيب عن مآسي واكراهات الشعب الحقيقة، لكنها يوم الحركة الانتخابية (التبوريدة ) تجدها تشد صف البحث عن تمثيل المواطنين المغاربة، والكرة تتكرر عند كل جذبة انتخابية. إنها معادلة أحزاب تنشيط الانتخابات ولو بمقاربة صرف المال العام، أحزاب حضورها مثل غناء الصرصار الموسمي، تؤثث المشهد الديمقراطي المغربي بأغاني الدفاع عن حقوق المواطنين فرادى وجماعات، فهي تعتقد أنها البديل الذي يحمل عصا موسى السحرية، وتستبيح تسمية المخلص المنتظر للمغاربة من كل الأزمات المدوية التي تشعل ذهابا وإيابا محج البرلمان .
فلو قمنا بعرض تخمة لائحة الأحزاب المغربية التي نزلت إلى منافسة الانتخابات التشريعة للسابع من أكتوبر حزبا تلو حزب لرسب جل المواطنين المغاربة في معرفة كافة أسماء كل الأحزاب الانشطارية والمتوالدة بالإنشقاق النفعي/الذاتي. إنه الإخفاق المعرفي السياسي الأول الذي سيتعرض له المغاربة قبل أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع .
لنعد إلى إسناد قصتنا ” النملة والصرصار ” ونكشف أولا بوجود أحزاب شربت إلى حد الإرتواء من خصال “النملة” والتي تشتغل طيلة الأيام المشمسة، وحتى في الأيام المطيرة بأعالي المغرب العميق. عملها يظهرعبر مجموعة من أنشطة جمعيات المجتمع المدني لجمع قوت الصناديق الانتخابية (الأصوات) القادمة، عملها التأطيري والتوجيهي تتكلف به الأجنحة الدعوية/ الفكرية بشقيها المذهبي والسياسي لجمع المريدين وتكبير كثلة الأوفياء والطيعين للأوامر العليا.
فاشتغال تلك أحزاب (النملة الذكية) أصبح يتم عبر خطة مشروع سياسي استراتيجي قصير المدى بالتمدد العددي، وبمنتهى طول المدة بالاكتساح للمقاعد البرلمانية بالأغلبية المطلقة التي لا تحتاج إلى أي تحالف آخر. هنا تجد مؤشرات رؤية البعد السياسي عندها تتم بالأجرأة الفعلية لقفة رمضان، تنتج توزيع كبش عيد الأضحى بالمجان ، تشتغل على الموت والكفن والتشييع وكلمة المدافن، تشتغل على ختان الأطفال والكسوة وركبة الحصان، تتدخل لأجل التطبيب، وتسهيل مسالك أخذ صورة أشعة طبية… هنا يتم الشد على اليد و الفكر الإجتماعي للمواطنين(بالكمشة العددية) ومحاولة بناء جسور الثقة (مثل النملة المشتغلة ) بمفهوم المستقبل المجهول الآتي. هنا تلحظ مدى استغلال بؤس الناس لأجل أهداف سياسية موسمية يفوق مدخولها المادي والمعنوي ما يمد من مساعدة ودعم اجتماعي للمواطنين طيلة السنوات الراقدة.
فيما أحزاب نظرة تنشيط (الصرصار) فهي لا تحرك اليد بالتصفيق إلا عند كل بهرجة انتخابية لحظية، عندها تدخل تلك الأحزاب الساحة السياسية مزودة بالمال السخي، وكما يقول المواطن المغربي البسيط ” هاذي الانتخابات ما علينا لحكام ، كول واشرب واتبرع بالزرقة “. وبعد كل انتخاب تلوي أوراقها جمعا، ولا يذكر لها أثرا في عصيدة الساحة الشعبية.
لنرجع إلى افتراض أولي وهو إن اكتسحت أحزاب سنة حياة (النملة الشغيلة) مقاعد البرلمان بالأغلبية العددية، ما هي مخارج تشكيلة الحكومة المغربية القادمة؟.
هنا لا مناص من ذكر أن العتبة قامت بالواجب من جهة توسيع حقينة الولوج إلى البرلمان لأكثر من نصف عدد الأحزاب المغربية. هي البلقنة الآتية الملونة بألوان أطياف الأحزاب السياسة لمقاعد قبة البرلمان، هنا ستقلم أظافر أحزاب سيرة النملة ديمقراطيا بلا غبار بيًن يذكر، هنا أحزاب قوة النملة النشيطة ستحتاج لا محالة إلى الصرصار الممانع لتأمين الأغلبية المطلقة ، هنا تكون قصة ” النملة والصرصار” اليوم قد استوفت مدلولها الترميزي بطرق أحزاب عقلية الصرصار لبيت النملة في فصل تأليف التحالفات السياسية لبناء حكومة.
البعد الثالث الذي أغفله ترميز قصة ” النملة والصرصار” هو أبعاد دور المواطنين ضمن حوض سيناريو عقدة القصة. هنا نقر إجماعا أن المواطن البسيط هو الكومبراس الخلفي للأبطال رؤوس حربة اللوائح الانتخابية، فالمواطن هو العينة الضابطة لاحتساب القوت التصويتي للصندوق الزجاجي(عدد الأصوات المعبر عنها) . قوت لا محالة للنمل الشغال من الأحزاب أن يتقاسمه مع الصرصار المنشط كرها بالتحالفات الهجينة التي لا نسق فكري لها، ولا بنية ايديولوجية لها. هي ذي حقيقة السابع من أكتوبر وانتخابات قصة ” النملة والصرصار” .
أعود إلى قولي بدون مرموز قصة “النملة والصرصار” فنحن لا نبخس العمل السياسي المغربي، ولا نقلل من تنافسية الأحزاب السياسية الوطنية، ولا نقوم بالتمييع العدمي للحقل السياسي، بل هدفنا نقد الواقع البئيس الذي يتخبط فيه الفكر السياسي المغربي، فلا عينة النملة الشغالة ولا نشاط الصرصار قد يكون هو الحل الديمقراطي لوضعية أزمة السياسية الوطنية، فلن يقبل المواطن المغربي إلا بإصلاح ضمن حوض استمرارية الاستقرار.
ذ محسن الأكرمين