نظمت أكاديمية المملكة المغربية، مساء يوم الأربعاء بالرباط، ندوة حول موضوع “سجلماسة بوابة إفريقيا تراث مشترك وموقع تاريخي مهدد”، شكلت مناسبة لتسليط الضوء على مختلف المعالم الأركيولوجية لهذه المدينة الأثرية التي تتوفر على تراث مهم في تاريخ المغرب والعالمين الإفريقي والإسلامي وفي العلاقات العابرة للصحراء.
ونشط هذه الندوة، التي تندرج في إطار الأنشطة الثقافية والعلمية لأكاديمية المملكة المغربية واحتفاء بالمؤرخ المغربي العربي مزين، السيد فرانسوا كزافيي فوفويل، مدير البحث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي بتولوز (فرنسا)، والمدير المشارك للبعثة المغربية-الفرنسية في سجلماسة، الذي شدد على دور هذه المدينة، الواقعة جنوب شرق المغرب، في واحة تافيلالت وفي قلب السهوب المتاخمة للصحراء، مشيرا إلى أنها شكلت ملتقى رئيسيا للطرق في تاريخ إفريقيا – العالم وفضاء البحر الأبيض المتوسط في العصور الوسطى.
وأبرز السيد فوفيل، المؤرخ وعالم الآثار الفرنسي المتخصص في إفريقيا، والذي انتخب مؤخرا لتولي الكرسي الدائم المخصص للقارة الإفريقية بعنوان “التاريخ وعلم آثار العوالم الإفريقية”، والذي يشغل منصب أستاذ في (كوليج دو فرانس) باريس، أن هذه المدينة التي تعود إلى العصور الوسطى كانت صلة وصل بين المغرب، شمال إفريقيا والعالم الإسلامي بشكل أوسع، وإفريقيا جنوب الصحراء وفضاء البحر الأبيض المتوسط، علما بأنها قد شكلت رابطا بين مختلف مكونات المجتمع، الأمازيع والعرب واليهود والمسلمين.
وأضاف أن تاريخ هذه المدينة يتجسد في الموقع الأثري ومعالمه مثل الزخرفة والأسوار والجدران من مختلف العصور وكذا الأضرحة، مشيرا إلى أن هذا التراث المتصل يعكس تاريخ المغرب وعلاقاته بين العالم في العصور الوسطى.
وذكر السيد فوفيل بأن العديد من عمليات الحفريات قد أنجزت في محاولة لكشف آثار هذا الماضي العريق، مشيرا في هذا الصدد إلى الحفريات الأثرية في موقع سجلماسة التي بدأت في عامي 1971 و1972 تحت إشراف بوريس راشفيتز، عالم إيطالي، مضيفا أنه في سنة 1974 قام مفتش الآثار التاريخية بمكناس السيد محمد بنشمسي بإجراء حفريات واسعة في المنطقة ذاتها.
وأضاف أنه منذ سنة 2012 قام فريق مغربي فرنسي بقيادة، العربي الرباطي من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، باستئناف عمليات الحفريات في موقع سجلماسة، لافتا إلى أن عمل هذا الفريق مكن من رسم مخطط كرونولوجي أولي لتحقيب الآثار الأركيولوجية في سجلماسة تبرز أن الموقع يكشف عن العديد من المجمعات الحضرية المتميزة في الزمن والمنفصلة في الفضاء.
كما شدد على أن الموقع الأثري لسجلماسة بات مهددا، وبالخصوص جراء التوسع العمراني وانتشار بعض الممارسات مثل نهب الرمال وتصريف النفايات الحضرية التي تقوض عمليات المحافظة على الموقع، في وقت لا تزال فيه الحفريات جارية، مؤكدا على الحاجة إلى حماية هذا الموقع، الذي يعتبر مسؤولية جماعية لكافة الأطراف المعنية.
من جهته، قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبد الجليل لحجمري إن الأكاديمية تولي أهمية خاصة للتراث الوطني وتساهم في فهم أفضل لمكوناته الرئيسية، كما تسهر على تثمينه والحفاظ عليه، مشيرا إلى أن سجلماسة، هذه الواحة الجميلة، تظل بامتيار أحد الأساطير للمدن المختفية التي لها ماض مرموق.
كما أبرز السيد لحجمري أن أكاديمية المملكة المغربية تطلق جرس إنذار بهدف تحسيس الفاعلين، على كافة المستويات، بشأن الرهانات الرئيسية المتمثلة في حماية هذا التراث ذي القيمة الكبيرة، والتنمية المحلية وإعداد التراب، مشددا على أهمية الاستكشاف الدقيق والمنهجي لهذا الموقع الأثري الذي يتقاسمه المغرب مع إفريقيا، وبلدان البحر الأبيض المتوسط، وباقي الدول.
من جانبه، قال وزير الثقافة والاتصال السيد محمد الأعرج إن هذه الحفريات الأركيولوجية المنجزة بالموقع مكنت من التعرف على جوانب غامضة من تاريخ المدينة، مبرزا أن هذا اللقاء الأكاديمي يعد مناسبة سانحة لإطلاع الباحثين والمهتمين على حصيلة هذه الأشغال الأركيولوجية والتركيز على الإشكاليات المطروحة والتوجهات المستقبلية.
وذكر السيد الأعرج، أن هذا اللقاء العلمي الهام، من خلال الموضوع الذي يقاربه، يعتبر دليلا على الاهتمام الذي حظيت به ولا تزال، مدينة سجلماسة التي تعد من أقدم الحواضر التاريخية ببلاد الغرب الإسلامي عامة وببلاد المغرب الأقصى على الخصوص، بحكم أهميتها التجارية والسياسية.
وأبرز أنه، وبالنظر للقيمة الأثرية والتاريخية لمدينة سجلماسة، فقد استقطبت مند السبعينات من القرن الماضي العديد من فرق البحث المغربية والأجنبية، في إطار اتفاقيات شراكة بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والاتصال وعدة جامعات دولية كجامعة “ميدل تنسي” بالولايات المتحدة، مضيفا أن هذا اللقاء يشكل أيضا فرصة لتدارس سبل الحماية ورد الاعتبار لهذا الموقع الأثري الهام مع كل الشركاء المحليين والجهويين المعنيين بالأمر.
وأشار، في هذا الصدد، إلى أن مديرية التراث الثقافي التابعة للوزارة تعمل على حماية الموقع من كل المخاطر التي تتهدده حيث استصدرت سنة 2016 نصا قانونيا تم بموجبه ترتيب سجلماسة ضمن لائحة التراث الوطني، مذكرا بأن ميزانية سنة 2017 كانت قد خصصت غلافا ماليا لإصلاح بناية قديمة متواجدة بالموقع من أجل استغلالها كدار للآثاريين حيث تتم دراسة اللقى الأثرية المستخرجة وتخزينها.
وفي إطار المشاريع المستقبلية، قال السيد الأعرج، إن الوزارة تنوي بالتعاون مع مجلس مولاي علي الشريف إنجاز محافظة للموقع ومركز للتعريف به ، وذلك حتى يتم فتحه في وجه الزوار وإدراجه في المسالك السياحية للمنطقة.
ودعا الوزير إلى ضرورة تضافر الجهود والتعاون والتدخل من أجل حماية مدينة سجلماسة التاريخية ورد الاعتبار لهذا الموقع الأثري الهام، مع كل الشركاء المحليين والجهويين المعنيين بالأمر.
وتميز هذا اللقاء بحضور عدة شخصيات من بينهم ، على الخصوص، السادة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، والأمين العام السابق للحكومة إدريس الضحاك، وعضوي أكاديمية المملكة المغربية محمد الكتاني وإدريس العلوي العبدلاوي، بالإضافة إلى ثلة من علماء الآثار المغاربة والأجانب والمؤرخين والأساتذة الجامعيين.
و.م.ع
عن موقع: فاس نيوز ميديا