احتضن نادي المدرس بمدينة أوطاط الحاج بتاريخ 25 ماي من السنة الجارية، ابتداء من الساعة العاشرة ليلا، بعد صلاة التراويح، محطة فكرية احتفالية، تمثلت في التفاعل المنتج مع اخر إصدارات المؤرخ الطيب بياض، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الموسوم بالصحافة والتاريخ، وهو الكتاب الذي لقي استحسانا منقطع النظير في كل المدن التي حل بها، سفيرا للدفاع عن منتوجه، على غرار كتاب مارك بلوك دفاعا عن التاريخ.
انتظم اللقاء الفكري بمسقط راس الدكتور بياض أوطاط الحاج، بإيعاز من جمعية شباب المستقبل للتنمية الثقافية. ان حضور هذا الابن البار ببلدته من أجل تقديم ثالث إصداره، هو تأكيد لوله الانتماء الى هذه المدينة، ومناسبة نفيسة ابتهلها لصلة الرحم مع احبابه.
– كلمة السيد رئيس جمعية شباب المستقبل للتنمية الثقافية
استهل رئيس الجمعية، الأستاذ مصطفى العثماني، كلمته الافتتاحية بالترحيب بالضيف وبالحضور الكريم، مثمنا هذا الحضور الوازن لأحد أقطاب التاريخ المغربي والذي ساهم في اثراء الريبرتوار الاسطوغرافي المغربي بمنتوجه القيم: الصحافة والتاريخ، وهو كتاب قيم يثير طبيعة العلاقة الملتبسة حينا والمتشنجة أحايين أخرى مع السلطة الرابعة. وعرج للحديث بعد ذلك على النجاحات التي بدا يحققها تلاميذ وتلميذات هذه البلدة، معتبرين الدكتور بياض ايقونة ورمزا يهتدون بنبراس علمه، وأن هذا العصر الذي يثمن الضحالة والتفاهة، بإمكانه أن يفسح المجال للطاقات الخلاقة لتحقيق النجاح في الحقل المعرفي. من ذلك وصول التلميذة ضحى فروادور التي تدرس بالمستوى الثاني ابتدائي بمدرسة عقبة بن نافع الى الاقصائيات النهائية الوطنية لمسابقة تحدي القراءة العربي بمدينة الدار البيضاء.
– كلمة مسير فعاليات اللقاء الفكري
تحدث الأستاذ خالد بركاوي مسير هذا اللقاء الفكري عن سنة 2016 كلحظة فارقة، وهي ذات السنة التي شهدت تقديم الدكتور بياض لعرض قيم حول أبستمولوجيا المعرفة التاريخية، والذي استهله بالتذكير بالدرس الافتتاحي لباتريك بوشرون في الكوليج دو فرانس حول ما يستطيعه التاريخ، مشيرا أيضا الى السؤال الاشكالي الذي طرحه مارك بلوك رائد مدرسة الحوليات حول جدوى التاريخ، وهو في حقيقة الأمر، السؤال الذي ظل هاجسا يؤرق بال الدكتور بياض، الراغب في تجديد صنعة المؤرخ، والمنفتح على الحقول المعرفية المتعددة، من أجل فهم الأحداث الراهنة عبر العودة الى التاريخ من أجل فهم غميس للقضايا التي تشغل بال المواطن المغربي. وركز الأستاذ في الأرضية التي قدمها الى ان الفكرة التي ظلت غائرة في وجدان الدكتور بياض هي الاستفادة من خبرته الأكاديمية لشرح القضايا الراهنة وتبسيط المعرفة التاريخية وتوسيع دائرة المقروئية من خلال مقالاته الرصينة في مجلة زمان التي ولجها عام 2013 وغادرها عام 2016
– قراءة الأستاذ الباحث عبد الحكيم الدرقاوي
تطرق الأستاذ الدرقاوي الى تجربتين مهمتين طبعا مسار للدكتور بياض وهي التجربة الجامعية من جهة والاشتغال في مجلة زمان لمدة ثلاث سنوات من جهة أخرى، مع المصطفى بوعزيز وعبد الأحد السبتي وعبد الله الترابي والدكتور حسن أوريد، وهي تجربة غنية، أثمرت العديد من المقالات التي تفاعلت مع القضايا الراهنة وحاول المؤرخ البحث في التاريخ عن الجذور الشارحة لها، مستحضرا في ذلك تجارب وطنية وعربية ودولية، كتجربة محمد باهي الصحفي المؤرخ ورسالته من باريس والتي تفاعل فيها مع حرب الخليج، أو تجربة محمد العربي المساري، أو تجربة الصحفي العربي محمد حسنين هيكل، أو تجربة فرانسوا فيري، وجون لا كوتير
– تفاعل الجمهور
ان كتاب الدكتور بياض اثار الكثير من الجدل والاهتمام من قبل الجمهور النوعي الذي حج بكثافة للنهل من معين ابن البلدة، من أبرز التساؤلات نشير الى ما يلي:
لماذا نشير تارة الى العلاقة الملتبسة والمتشنجة بين عالم الصحافة والتاريخ، وتارة أخرى ننعت هذه العلاقة بالتفاعلية والتواصلية والتكاملية؟
هل صحيح ان التاريخ يضطلع بمهام مهمة في العصر الحالي أم يظل هو علم الماضي، فيما يظل الصحفي هو مؤرخ اللحظة على حد تعبير البير كامي؟
ماهي علاقة التاريخ بالوثيقة؟ عن أي وثيقة نتحدث في العصر الرقمي؟ ما هي الوظيفة الأساسية للتاريخ وماهي جدواه؟
لماذا انتج المؤرخ هذا الكتاب في عصر العزوف عن القراءة وتدني مؤشرات المقروئية في المغرب بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام، وهو السؤال الذي طرحته التلميذة ذات السبع سنوات، ضحى فروادور، والذي استحقت عليه ثناء من قبل الأستاذ بياض
– تفاعل المؤرخ الطيب بياض
عبر في المقام الأول الدكتور بياض عن سعادته الغامرة، وعن عظيم امتنانه لجمعية شباب المستقبل، ونادي المدرس الذي احتضن هذا اللقاء الذي له طعم خاص، بالنظر الى انه يجري في المدينة التي رأي فيها النور وتتلمذ على يد اساتذتها وشرب من نبعها علما غزيرا ساهم في رسم ملامح شخصيته.
بعد ذلك تفاعل مع التساؤلات المصاغة بدقة، مؤكدا أن الكتاب هو ثمرة مجهود فكري ومغامرة مهنية في مجلة زمان المغربية، من أجل الدفاع عن مركزية الانسان ومركزية المعرفة التاريخية في تلاقحها مع مختلف العلوم الإنسانية، مشددا على أن التاريخ هو علم الانسان في الزمن المستمر والمتغير. المح المؤرخ الى أن الوثيقة لا تقول ولكن تستنطق ويتم سبر أغوارها استنادا الى العدة المعرفية والمنهجية للباحث، وأن مفهوم الوثيقة قد تطور مع عالم التكنولوجيا، فالهاشتاغ وثيقة والتغريدة وثيقة والتدوينة الفايسبوكية وثيقة….
أشار الى النجاح الباهر لكل من فرانسوا فيري ودونيس ريشه وجون لا كوتير وغيرهم في عالم الاعلام والصحافة والذي مكنهم من الوصول الى شريحة أكبر ظلت مهتمة ولصيقة بوله التاريخ، ملمحا الى أن المؤرخ ساهم في صناعة الرأي العام ونبه صناع القرار الى البنيات الشارحة لمختلف السياقات التي عاشوها
ان المؤرخ الذي يوجد اليوم في المجالس الإدارية لأكبر الشركات العالمية هو شخصية فذة مهمة، وأن الصحفي الذي يدافع عنه في كتابه هو الصحفي المثقف، القادر على فهم عميق للأحداث الراهنة، والقادر على النقد والإنتاج الرصين وبلغة انسيابية، وهو العمل الذي اضطلع به في مجلة زمان في نسختها العربية، وكان الموضوع الأول الذي تطرق اليه هو الاقتصاد والسيادة.
في المنتهى، وترسيخا لثقافة الاعتراف والعرفان، قدم رئيس جمعية شباب المستقبل شهادة شكر وتقدير للأستاذ بياض نظير اسهاماته العلمية الرصينة في حقل التاريخ، كما تم تكريم الأستاذ عبد الحكيم الدرقاوي الذي قدم مداخلة قوية اثارت دهشة الحاضرين ونالت استحسانهم.
تقرير من اعداد خالد بركاوي
نائب رئيس جمعية شباب المستقبل للتنمية الثقافية
عن: فاس نيوز ميديا