العلاقات المغربية الفرنسية هل نضجت الشروط لاجتثاث جذور الأزمة الصامتة !!

كتاب و آراء – “يجدر بنا في البداية، أن نؤكد أن لكل أزمة تداعياتها السلبية، لكن الخطورة من دون شك تزيد تفاقما حينما تكون هذه الأزمة بعيدة عن فضاء التداول العام، وبعيدا عن مجال إحداث الصوت و بروز الأثر، لاسيما إذا تعلق الأمر بدائرة ومجال التداول السياسي و العلاقات الدولية.”
 
حتى بعد أشهر من الأزمة الصامتة، ومحاولات السيدة كريستين كولونا، وزيرة أوروبا و الشؤون الخارجية للجمهورية الفرنسية ردم الهوة السائرة في الاتساع بين البلدين من خلال الإعلان من داخل المملكة المغربية على عودة بلادها إلى النظام المعمول به سالفا في تسليم تأشيرات دخول التراب الفرنسي بعد اتخاذ قرار تقليص هذه الأخيرة إلى أقل من 50 بالمائة، لم تجد الوزيرة نفسها إلا أمام ما بلغها من امتعاض المعنيين بالقرار، فالسيد ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، أكد من جديد لكل من غاب عليه فهم سياق القرار و تداعياته، أن المملكة لا تتدخل في شؤون الدول، وأن قرارا من حجم تقليص عدد التأشيرات، يدخل في خانة القرارات السيادية، التي لا حاجة لخارجية المملكة في التعليق عليها، ويضيف استزادة في الفهم، ” القرار  يسير في الاتجاه الصحيح”.
وإذا كانت الجمهورية الفرنسية اتخذت قرارا سياديا يهم تدبير الولوج إلى حيز ترابها الوطني، فقد سبق للملكة أن اتخذت بكل هدوء، وبعد نضج الشروط الموضوعية الدولية، قرارا سياديا حاسما في علاقاتها وشراكاتها الدولية الثنائية و الإقليمية، قرار أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة الذكرى التاسعة و الستين لثورة الملك و الشعب، (.. إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات …)، واذا كانت فرنسا تحمي سيادتها ونسيجها المجتمعي بعلة رفض المغرب و معه عدد من الدول المغاربية استقبال المهاجرين الموجودين فوق ترابها بشكل غير نظامي، فان للمملكة المغربية في شريعة القانون الدولي أن تنافح من اجل السيادة الكاملة على التراب الوطني، ولاسيما في مناخ إقليمي متوجس و أمام تعنت القيادة الجزائرية ورفضها الجلوس حول طاولة الحوار الدبلوماسي و السياسي.
ولأن منطوق خُطب رئيس الدولة في المغرب، سارية النفاذ دستوريا منذ صدورها، بل تنزل منزلة التوجهات الإستراتيجية الكبرى، فقد حدد جلالة الملك في نفس الخطاب سبل أجرأة القرار السيادي، (.. ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل …)، وإذ ذاك انتقلت المملكة من البلد الشريك المنفتح اقتصاديا، خاصة أمام شريكيه التقليديين فرنسا و اسبانيا، إلى البلد المنفتح اقتصاديا تحت اشتراط احترام السيادة الكاملة لأراضيه، 
بالفعل جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فبعد سوء الفهم المغربي-الاسباني، عادة العلاقات إلى سالف عهدها، لكن تحولت اسبانيا من موقع الحياد في نزاع الصحراء المفتعل،  إلى الاحترام التام لعقيدة الدبلوماسية المغربية، فاعترفت اسبانيا بمغربية الصحراء، مطوقة بشرعية التاريخ القريب، (كمحتل سابق لأراضي المغرب ومنها الصحراء المغربية)، ومحاطة بهول حجم وعدد وقيمة ودلالات الاعترافات الدولية و في مقدمتها الاعتراف التاريخي للولايات المتحدث الأمريكية بالسيادة الكاملة و الحصرية للمغرب على صحراءه.
سياق ما أسلفنا، هو انطلاق التحضير للقمة المغربية-الفرنسية على مستوى القيادة العليا بين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وفخامة الرئيس الفرنسي امانويل مكرون، وهو بدون مواربة السبب المركزي لحضور وزيرة الخارجية الفرنسية بالمغرب، فهل نضجت الشروط لاجتثاث جذور الأزمة الصامتة بين المغرب و فرنسا ؟
 
الحقيقة أن القيادة السياسية للمغرب انتبهت منذ مدة إلى الأهمية القصوى لعودته لمنظمة الاتحاد الإفريقي بعد غياب تجاوز الثلاث و ثلاثين سنة، لنفس أسباب المس بالسيادة السالفة الذكر، حضورٌ للمملكة بثقل المشترك على مستوى التاريخ الحضاري الإفريقي و بدلالات دينية و رمزية خاصة، لاسيما بدول غرب إفريقيا،
 فالمغرب ثاني بلد إفريقي من حيث التدفقات الاستثمارية على ترابه، الى جانب حضوره كقوة اقتصادية صاعدة، باستثمارات تتجاوز الخمس مليارات دولار بإفريقيا،  وكدولة تؤمن بحقها في النجاح داخل نسقها الجغرافي الإفريقي، من منطق الربح المشترك وتحت مظلة القارة الواحد ذات المصير المشترك كما سبق أن عبر عنه وزير الخارجية المغربي وهو يقرأ الرسالة الملكية الموجهة للقمة الأوروبية-الإفريقية 2022 ببروكسل نيابة عن ملك المغرب،
ولا مبالغة في القول، إذا استجمعنا في تحليل واحد، ثمار الشراكات الاقتصادية المغربية-الأفريقية في عالم معولم، وقابلناها بما جنته المملكة دبلوماسيا من اعترافات متواترة ومسترسلة في ملف الصحراء المغربية، وإذا أضفنا إلى ذلك، دلالات الحضور الروحي لإمارة المؤمنين، وللنموذج الإسلامي الوسطي المعتدل الذي تقدمه المملكة كنموذج يحتذى به الى إفريقيا و العالم، وهو ما يجعل مئات الأئمة الأفارقة و الأئمة من جنسيات أوروبية الوافدين على أرض المغرب  للتكوين الديني، سفراء للحقيقة، حقيقة أن المغرب أمة موحدة، تحت راية إمارة المؤمنين، وأن هذا المركز الديني الخاص، هو مربط الفرس و قطب الرحى في ملف الصحراء المغربية، ولن نمل من التذكير بأن محكمة العدل الدولية، أبدت منذ أمد طويل رأيها في هذا النزاع، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن مواطني الصحراء و القبائل الصحراوية ترتبط منذ أزيد من 300 سنة بأواصر البيعة الشرعية، مع سلاطين المغرب و ملوكه من بعد، وهي الميثاق الغليظ الذي يعطي للحكم شرعيته ومشروعيته.
وإذا كانت الجمهوية الفرنسية المستثمر الأول بأرض المغرب، تلاقي صعوبات بالغة في الحفاظ على موقعها الاقتصادي داخل عدد من الدول الإفريقية (مستعمراتها السابقة)، سواء بتداخل دوافع الرفض الشعبي أو لتعالي الفاعل السياسي الفرنسي أو لتدخل فرنسا في الشؤون الداخلية لدول كاملة السيادة، فإن عددا من القوى الدولية سائرة في تمنيع مكانتها داخل إفريقيا التي تعرف أعلى نسب نمو على المستوى العالمي،  في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت المغرب قطبا اقتصاديا و بوابة نحو غرب إفريقيا،
فهل التقط قصر الاليزيه دلالات المقاربة الواضحة لملف الصحراء المغربية من قبل الإدارة الأمريكية ؟
من دون شك، سيطغى هاجس الاقتصاد على القمة المرتقبة، فغاية الدول هو رخاء مجتمعاتها، لاسيما في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها عدد من الدول الأوروبية وفرنسا من ضمنها،  بفعل الحرب الروسية-الاكرانية، غير أن مغرب اليوم بقدر ما يهمه الربح الاقتصادي و الرخاء الاجتماعي يؤرقه الإنهاء الفعلي لملف من الحساسية بما كان، ملف عمر أطول من اللازم داخل أروقة الأمم المتحدة، فالسيادة لدى الشعب المغربي تعاقد شعبي، تاريخي، قانوني ودستوري لا رجعة فيه كما يقول الفصل الأول من الوثيقة الأسمى بالمغرب.
وإذا كانت من خلاصات واضحة لتداعيات الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، فيمكننا القول، بأنه تأكد بشكل نهائي أن لا تأثير للوبي الفرنكوفوني بالمغرب على القرارات السيادية، و أن أزمة التأشيرات ظلت معلقة بدون رد من خارجية المغرب و كأن شيء لم يكن، بل إن من المغاربة من تأقلم في إيجاد الحلول و البدائل، أليست أرض الله واسعة.
المغرب اختار بشكل ارادوي تنويه شركاؤه الدوليين، و انطلق في الاعتماد التدريجي على المناهج الانجلوساكسونية منذ سنوات، و القرار اليوم بيد فرنسا الشريك التقليدي، هل تحافظ على الصداقة التاريخية و السياسية و الربح الاقتصادي المشترك، أو أن جذور الأزمة الصامتة أعمق من ذلك .

بقلم : ذ . محمد بنجلون التويمي، نائب برلماني، مجلس النواب

المصدر : فاس نيوز ميديا