في عالم يلهث خلف الاستثناء والتميز، يغيب عنا أحياناً تقدير الجهد الخفي الذي يبذله البعض فقط ليكونوا “عاديين”. هذه العبارة التي أطلقها الفيلسوف والكاتب ألبير كامو تفتح الباب أمام تأمل عميق في معنى العادية، وما قد تكلفه من تضحيات غير مرئية .
فكرة أن تكون شخصاً عادياً تبدو بسيطة للوهلة الأولى، بل وقد يعتبرها البعض أمراً مفروغاً منه. لكن الحقيقة أن هذه
العادية قد تكون نتاج صراع يومي، ومجهود جبار يبذله البعض للتغلب على تحديات داخلية أو خارجية. فما يراه الآخرون
طبيعياً قد يكون بالنسبة لشخص آخر معركة يومية مع الذات أو مع الظروف.
خذ على سبيل المثال شخصاً يعاني من اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب. بالنسبة له، مجرد النهوض من السري
أو إتمام يوم عمل عادي، أو التفاعل مع الآخرين بشكل طبيعي، قد يكون إنجازاً كبيراً يتطلب طاقة هائلة. أو شخصاً يعيش في ظروف اقتصادية صعبة، ويبذل جهوداً مضنية لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة لعائلته. بالنسبة له، الحفاظ على استقرار عائلي عادي قد يكون أعظم إنجاز .
هذه العبارة تذكرنا بأننا لا نعرف دائماً ما يختبئ وراء الوجوه الهادئة، أو الابتسامات العابرة. فكل شخص يحمل قصته
الخاصة، وصراعاته التي قد لا نراها، ولكنه يبذل قصارى جهده ليكون جزءاً من هذا العالم، ليبدو “طبيعياً” في عيون
الآخرين.
في النهاية، تكمن رسالة كامو في ضرورة التعاطف مع الآخرين، وفهم أن العادية قد تكون في بعض الأحيان قمة الجبل
الذي تسلقوه بجهد كبير. لذا، قبل أن نحكم على شخص بأنه “عادي”، علينا أن نتذكر أن هذه العادية قد تكون إنجازاً
يستحق التقدير.
“أن تكون عادياً في عالم غير عادي هو إنجاز استثنائي”
اجدي محسن
طالب دكتوراه بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
المصدر: فاس نيوز