يُعد القطاع الزراعي من الركائز الحيوية للاقتصاد المغربي، حيث يُسهم بنحو 13% من الناتج الداخلي الخام ويوفّر ما يقارب ثلث فرص العمل على المستوى الوطني، حسب معطيات البنك الدولي لعام 2023. ورغم هذا الدور المحوري، يواجه القطاع تحديات متزايدة تهدد استقراره واستدامته، في ظل تغيرات مناخية حادة، وندرة متفاقمة في الموارد المائية، ومحدودية في اعتماد التكنولوجيات الحديثة، إلى جانب صعوبات التمويل لدى الفلاحين الصغار.
وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن المغرب يصنف ضمن البلدان التي تعاني من إجهاد مائي حاد، حيث انخفض متوسط الموارد المائية المتجددة من نحو 2,560 مترًا مكعبًا للفرد سنويًا خلال ستينات القرن الماضي إلى أقل من 620 مترًا مكعبًا سنة 2023. كما سجلت المملكة توالي سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، مما أثر سلبًا على الإنتاج الزراعي وأدى إلى تدهور جودة التربة وتراجع المحاصيل، لاسيما في المناطق القروية الهشة.
في المقابل، لا يزال استخدام التقنيات الزراعية الحديثة محدودًا، خاصة في أوساط الفلاحين الصغار، حيث تشكل قلة التكوين وضعف الإمكانيات المادية عائقًا أمام الانتقال نحو زراعة ذكية ومقاومة للتغيرات المناخية. وتشير معطيات البنك الإفريقي للتنمية إلى أن أكثر من 70% من الفلاحين الصغار في المغرب لا يستفيدون من خدمات مالية منتظمة، ما يقلص من فرصهم في الحصول على التمويلات اللازمة لاقتناء المعدات والأسمدة وتحسين جودة الإنتاج.
ومن بين التحديات الأخرى التي تؤثر على القطاع الزراعي، تقلبات أسعار السوق سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وضعف سلاسل التسويق والتوزيع، مما يجعل المنتجين في مواجهة مباشرة مع الخسائر في حالة وفرة الإنتاج أو تراجع الطلب. وقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في اتساع هوة التفاوت بين الفلاحين الصغار والكبار، وأثرت على التوازن الاجتماعي والاقتصادي في الوسط القروي.
في مواجهة هذه الإكراهات، تبذل السلطات المغربية جهودًا متواصلة لتعزيز صمود القطاع من خلال استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، التي تروم تحسين الإنتاجية، وتشجيع التنظيمات المهنية، وتحقيق عدالة مجالية عبر دعم الفلاحين الصغار، وتحفيز الاستثمار في البحث العلمي الزراعي وتعميم نظم الري بالتنقيط. كما تعمل برامج التعاون مع منظمات دولية كالبنك الدولي ومنظمة “الفاو” على دعم قدرات المغرب في مجالات الأمن الغذائي، والإنتاج المستدام، وتعزيز مرونة الأنظمة الزراعية.
غير أن المختصين يرون أن نجاح هذه الإصلاحات يتطلب رؤية متكاملة تجمع بين البعد البيئي، والاجتماعي، والتقني، وتستند إلى إرادة سياسية قوية لضمان استدامة هذا القطاع الحيوي، وتحقيق السيادة الغذائية، وتثبيت الساكنة في المجال القروي عبر توفير ظروف عيش كريمة وآفاق تنمية شاملة.
المصدر : فاس نيوز ميديا