تأثير الإعلام على كرة القدم : من الصحف إلى السوشيال ميديا
تأثير الإعلام على كرة القدم : من الصحف إلى السوشيال ميديا

تأثير الإعلام على كرة القدم : من الصحف إلى السوشيال ميديا

شهدت كرة القدم، منذ بداياتها، ارتباطاً وثيقاً بالإعلام الذي لعب دوراً مركزياً في تطوير شعبيتها وتحويلها إلى ظاهرة عالمية تتجاوز حدود الملاعب، فقد ساهمت الصحافة الورقية في منتصف القرن العشرين في تقريب الجماهير من نجوم اللعبة ونقل تفاصيل المباريات والتحليلات الفنية، مما خلق جيلاً كاملاً من المتابعين الذين كانوا ينتظرون كل عدد من الصحف الرياضية بشغف.

و تحرك الإعلام التلفزيوني لاحقاً ليأخذ زمام المبادرة، حيث بدأت المباريات تُبث مباشرة للجماهير، محدثةً نقلة نوعية في علاقة المشجع باللعبة، بعد أن كانت الصور الثابتة والكلمات المكتوبة هي الوسيلة الوحيدة لتتبع مجريات الكرة، ورافقت هذه النقلة بروز نجوم كبار، تحوّلوا إلى رموز عالمية بفعل عدسات الكاميرا والتغطيات المستمرة.

غير أن التحول الجذري الأهم جاء مع بروز الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، التي غيرت بشكل غير مسبوق علاقة الإعلام بكرة القدم، فقد أصبحت الأندية تتواصل مباشرة مع جماهيرها دون وسيط تقليدي، وتنشر أخبارها لحظة بلحظة على صفحاتها الرسمية، مما زاد من التفاعل وسرّع تداول المعلومة.

و أطلق الجمهور العنان لصوته عبر منصات مثل تويتر، فيسبوك، وإنستغرام، حيث باتت الجماهير تناقش التشكيلات، وتنتقد الأداء، وتصنع “الترندات”، بل وتضغط أحياناً على القرارات الإدارية للأندية، وتحوّلت التعليقات الجماهيرية إلى جزء من المشهد الكروي، قد يؤثر في مستقبل لاعب أو مدرب، ويخلق توتراً أو دعماً معنوياً قوياً.

ورغم إيجابيات هذا التحول، من حيث التفاعل والشفافية، إلا أنه أفرز أيضاً تحديات حقيقية، أبرزها تنامي خطاب الكراهية والشتائم في حق لاعبين وحكام، وانتشار الشائعات والأخبار الزائفة، مما يفرض على الأندية والإعلاميين التحقق المستمر والتعامل الذكي مع منصات مفتوحة على الجميع.

و استغل اللاعبون أنفسهم هذه المنصات ليكونوا إعلاميين لأنفسهم، حيث بات العديد منهم يعلن قراراته المهنية عبر حساباته الشخصية، ويعرض لقطات من حياته اليومية، ما جعل الجمهور يشعر بقرب أكبر منهم، لكنه في الوقت ذاته زاد من الضغوط الواقعة عليهم أمام الرأي العام.

لا يمكن اليوم فصل كرة القدم عن الإعلام، بمختلف وسائطه. فقد تحولت اللعبة إلى صناعة إعلامية قائمة على الصورة، والتفاعل، والسرعة. ومع توسع سوق الحقوق التلفزيونية والإعلانات المرتبطة بالأداء الرقمي، أصبحت بعض المباريات تُبرمج بناءً على حجم الجمهور الرقمي المتوقع، لا على المعايير الرياضية وحدها.

في هذا المشهد الجديد، يتواصل تأثير الإعلام على كرة القدم بشكل متصاعد، حيث أصبح اللاعب محتاجاً لمدير تواصل رقمي، والنادي مطالباً بإستراتيجية تواصل فعالة، والمشجع جزءاً من المنظومة الإعلامية، في تفاعل دائم يُعيد تشكيل حدود اللعبة ومفاهيمها.

المصدر : فاس نيوز ميديا