من أزقة ريو دي جانيرو إلى أحياء بوينس آيرس القديمة، تحولت كرة القدم في أمريكا الجنوبية من مجرد لعبة مستوردة في أوائل القرن العشرين إلى نمط حياة، ورمز للهوية الوطنية، ومنصة للتعبير الاجتماعي والثقافي، وبفضل أساليبها الفريدة، التي تمزج بين المهارة الفطرية والحس الفني، غيّرت هذه القارة معالم كرة القدم العالمية، وأنتجت أساطير لا تزال تُلهب الخيال.
و دخلت كرة القدم إلى أمريكا الجنوبية في أواخر القرن التاسع عشر مع البريطانيين العاملين في السكك الحديدية والشركات التجارية، لكن السكان المحليين سرعان ما تبنّوا اللعبة وخلقوا لها طابعًا خاصًا. في البرازيل، أصبح أسلوب “السامبا” تعبيرًا كرويًا عن الفرح، الإبداع، والتمرد على الأنماط الأوروبية الصارمة، وفي الأرجنتين، كان “التانغو” حاضرًا في لمسات اللاعبين، يترجم الحزن والشغف والسيطرة الفنية في آن واحد.
و يُعد المنتخبان البرازيلي والأرجنتيني مرجعية كروية عالمية منذ عقود. فالبرازيل، صاحبة الرقم القياسي في عدد ألقاب كأس العالم (5 مرات)، صدّرت إلى العالم أسماء خالدة مثل بيليه، زيكو، رونالدو، ورونالدينيو، وصولًا إلى نيمار، أما الأرجنتين، فأنجبت أساطير مثل دييغو مارادونا، وغابرييل باتيستوتا، وأخيرًا ليونيل ميسي الذي توج بكأس العالم 2022، مجددًا المجد الكروي لبلاد “التانغو”.
ولا تقتصر عظمة الكرة اللاتينية على البرازيل والأرجنتين فحسب، بل تشمل أيضًا الأوروغواي، الفائزة بأول كأس عالم عام 1930، وكولومبيا، وتشيلي، والبيرو، التي قدمت بدورها نجومًا وبصمات فنية لا تُنسى، وتعد بطولة “كوبا أمريكا”، التي انطلقت عام 1916، أقدم مسابقة قارية للمنتخبات في العالم، وهي شهادة على عمق تقاليد اللعبة في المنطقة.
كما مثّلت كرة القدم وسيلة لتجاوز الطبقية الاجتماعية في مجتمعات تعاني من التفاوت، ورافعةً للصعود الاجتماعي السريع. ففي أحياء فقيرة مثل “روكينا” البرازيلية أو “لا بوكا” الأرجنتينية، كانت الكرة أملًا وطريقًا للنجاة، ولا تزال كذلك إلى اليوم.
اليوم، رغم التحولات التي تعرفها اللعبة على المستوى التجاري والتكتيكي، ما تزال أمريكا الجنوبية تحتفظ بسحرها الكروي الخاص، حيث لا تُلعب الكرة فقط من أجل الفوز، بل من أجل المتعة، والكرامة، والانتماء. إنها القارة التي أهدت العالم لحظات خالدة، وجعلت من المستطيل الأخضر مسرحًا للشعر والحلم والصراع النبيل.
المصدر : فاس نيوز ميديا