يواجه المغرب، باعتباره دولة ذات واجهتين بحريتين على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، تحديات وفرصًا متزايدة لتعزيز قدراته في مجال الصناعات البحرية، التي أصبحت اليوم أحد محاور الاقتصاد الأزرق العالمي.
و يأتي هذا التوجه في سياق دينامية دولية متسارعة، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد الأزرق يدر سنويًا نحو 1,5 تريليون دولار عالميًا، مع توقعات ببلوغه 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030.
رغم توفر المملكة على شريط ساحلي يمتد لأزيد من 3500 كيلومتر، إلا أن مساهمة قطاع الصناعات البحرية في الناتج الداخلي الخام لا تتعدى 2,5%، وفق معطيات وزارة الصناعة والتجارة، ويظل النشاط البحري المغربي حاليًا مركزًا بالأساس على قطاع الصيد البحري التقليدي وتربية الأحياء المائية، فيما لا تزال مجالات بناء السفن وصيانتها، والخدمات البحرية المتقدمة، والنقل البحري، والطاقة البحرية المتجددة في طور التطوير.
في تصريح لخبير الاقتصاد البحري الفرنسي جان-لوك غوسلان، أوردته وكالة الأنباء الفرنسية (AFP)، أكد أن المغرب “يتوفر على إمكانات بحرية استراتيجية تمكنه من أن يصبح فاعلًا إقليميًا مهمًا في الصناعات البحرية، بشرط اعتماد رؤية متكاملة تجمع بين التكوين المهني، الابتكار الصناعي، وتحفيز الاستثمار الأجنبي”.
وفي السياق ذاته، تبرز تجارب دول رائدة كالنرويج وكوريا الجنوبية، التي استطاعت تطوير سلاسل صناعية متكاملة تشمل بناء السفن المتطورة، والاستغلال المستدام للموارد البحرية، وتكنولوجيا الطاقات المتجددة في أعالي البحار. وهو ما يطرح أمام المغرب تحدي تحديث بنياته التحتية البحرية، ولا سيما أحواض بناء السفن، وتعزيز الكفاءات المتخصصة في هذا القطاع.
من جانب آخر، تشكل الاستثمارات في الموانئ عاملًا حاسمًا. ويعد ميناء طنجة المتوسط، الذي صنفته تقارير دولية ضمن الموانئ الأكثر نشاطًا في البحر الأبيض المتوسط، نموذجًا يحتذى لتعزيز الربط البحري وتنشيط الصناعة المرتبطة بالخدمات اللوجستية البحرية. غير أن خبراء يرون أن توسيع هذه التجربة ليشمل موانئ أخرى كسيدي إفني، أكادير، والداخلة من شأنه أن يخلق منظومة صناعية بحرية متكاملة على مستوى المملكة.
كما يشدد فاعلون اقتصاديون مغاربة على ضرورة تسريع وتيرة البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا البحرية، واستكشاف فرص التعاون مع مراكز البحث الدولية، قصد نقل المعرفة وتوطينها. ويأتي ذلك في ظل تصاعد التنافس الدولي حول استغلال موارد البحار، بما في ذلك المعادن البحرية والطاقة البحرية المتجددة، وهو قطاع حديث العهد في المغرب، لكنه واعد بالنظر إلى المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها السواحل المغربية.
وفي خضم هذه الرهانات، يرى مراقبون أن نجاح المغرب في تعزيز قدراته في الصناعات البحرية رهين بوضع استراتيجية وطنية شاملة للاقتصاد الأزرق، قائمة على التكامل بين مختلف القطاعات المعنية، مع توفير الحوافز الكفيلة بجذب استثمارات القطاع الخاص، الوطني والأجنبي على حد سواء.
المصدر : فاس نيوز ميديا