مع تزايد الظواهر المناخية القصوى في مختلف أنحاء العالم، باتت كرة القدم، أكثر الرياضات شعبية عالميًا، تواجه تحديات متصاعدة ترتبط مباشرة بتغير المناخ. من ارتفاع درجات الحرارة، إلى العواصف العنيفة، مرورًا بتقلبات الطقس المفاجئة، يجد اللاعبون، الأندية، والجهات المنظمة أنفسهم مضطرين إلى التكيف مع واقع جديد يفرض نفسه بقوة على الملاعب.
وفق تقرير صادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) سنة 2024، فإن ارتفاع درجات الحرارة خلال المواسم الصيفية أصبح يؤثر بشكل واضح على أداء اللاعبين وصحتهم. وأشار التقرير إلى أن المباريات التي تجري في أجواء تفوق فيها الحرارة 32 درجة مئوية تزيد من احتمال إصابة اللاعبين بالإجهاد الحراري بنسبة 50%. وقد دفع ذلك بعدد من الاتحادات القارية، خاصة في أوروبا وآسيا، إلى مراجعة توقيت المباريات وجدولتها خلال فترات الحر الشديد.
من جانب آخر، أصبحت البنى التحتية الرياضية مهددة بتقلبات الطقس. ففي السنوات الأخيرة، شهدت ملاعب في ألمانيا، بريطانيا، وفرنسا فيضانات غير مسبوقة تسببت في تأجيل مباريات وإتلاف أرضيات الملاعب. وفي المغرب، أدت التساقطات المطرية الغزيرة خلال شتاء 2023 إلى توقف عدة مباريات في البطولة الوطنية وتأخير جدول المباريات في بعض المدن.
الخبراء يحذرون أيضًا من أن ارتفاع منسوب مياه البحر قد يشكل خطرًا على الملاعب والمنشآت الرياضية القريبة من السواحل، خاصة في الدول الجزرية وفي المدن الساحلية الكبرى. وفي تصريح لوكالة “رويترز”، أوضح الخبير البريطاني في الاستدامة الرياضية ديفيد غولدبيرغ أن “نحو 7% من الملاعب الأوروبية الكبرى معرضة في العقود المقبلة لخطر الفيضانات الساحلية، ما لم تُتخذ تدابير عاجلة للتأقلم مع هذه المخاطر”.
الأندية الكبرى بدأت بالفعل في اتخاذ إجراءات استباقية. بعض الملاعب اعتمدت تقنيات متطورة لصرف المياه وتحسين مقاومة العشب الطبيعي للتقلبات الحرارية. كما تم اللجوء إلى استخدام أنظمة تبريد وتكييف مبتكرة في ملاعب مغلقة أو قابلة للغلق. لكن هذه الحلول تبقى مكلفة للغاية، ما يضع الأندية الصغيرة في وضع هش أمام التغيرات المناخية.
على مستوى اللاعبين، يطرح ارتفاع الحرارة تحديات صحية جدية. تؤكد الجمعية الدولية لأطباء كرة القدم أن البروتوكولات الطبية الحالية يجب أن تُحدث لتشمل فترات توقف إضافية خلال المباريات وتقييمات دقيقة لحالة اللاعبين قبل وأثناء اللقاءات التي تقام في أجواء حارة.
ومع اقتراب تنظيم بطولات كبرى في مناطق معرضة لموجات حر شديدة، مثل كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، أصبح التكيف مع التغيرات المناخية بندًا رئيسيًا على أجندة المنظمين. بعض الاتحادات بدأت تفكر في إعادة تصميم دورات البطولات بحيث تتفادى ذروة فترات الحر أو تعتمد على ملاعب مجهزة بشكل أفضل.
في السياق ذاته، دعت منظمات بيئية عدة، من بينها “غرينبيس” و”كلايميت أكشن نتوورك”، الاتحادات الرياضية إلى إدماج الاعتبارات المناخية ضمن استراتيجيات تطوير كرة القدم، سواء على مستوى البنية التحتية أو ممارسات السفر والتنقل لتقليل البصمة الكربونية للبطولات.
وبينما تسير كرة القدم نحو مزيد من العالمية والانفتاح على أسواق جديدة، يبدو أن نجاحها المستقبلي لن يعتمد فقط على النجوم والنتائج، بل أيضًا على مدى قدرتها على التكيف مع عالم يتغير مناخيًا بوتيرة غير مسبوقة.
المصدر : فاس نيوز ميديا