تشكل مباريات الديربي والمنافسات الكروية الكبرى محطات استثنائية في روزنامة كرة القدم، لما تحمله من شحن جماهيري وتاريخ رياضي تتجاوز فيه المواجهة حدود المستطيل الأخضر. وتكتسب هذه اللقاءات طابعاً خاصاً يجعلها “مباريات لا تقبل القسمة على اثنين”، سواء بسبب الحساسيات التاريخية أو التنافس الجغرافي أو حتى الانتماءات الاجتماعية والثقافية المتجذرة.
ويعد ديربي “ريال مدريد” و”برشلونة” في إسبانيا، المعروف باسم “الكلاسيكو”، أحد أبرز هذه المواجهات على المستوى العالمي، إذ لا يقتصر الأمر على التنافس الرياضي، بل يمتد إلى خلفيات سياسية وثقافية بين العاصمة مدريد وإقليم كتالونيا. ويستقطب هذا اللقاء عشرات الملايين من المشاهدين حول العالم، ويتحول إلى حدث إعلامي واقتصادي من الطراز الرفيع.
ولا تقل الديربيات المحلية حرارةً، من قبيل ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد، الذي يعتبر من بين أقوى المواجهات الكروية في القارة الإفريقية. فالتاريخ الرياضي والرمزية الجماهيرية لكلا الناديين تضفي على المواجهة طابعاً خاصاً، يجعل المدينة تعيش على وقع الترقب والتعبئة قبل أسابيع من صافرة البداية.
كما تبرز على الصعيد العربي مواجهات كلاسيكية، مثل مباراة الأهلي والزمالك في مصر، التي توصف بـ”أم المعارك الكروية” نظراً لما تحمله من ندية وصراع تقليدي طال عقوداً. ويكاد لا يمر موسم دون أن تكون لهذه المواجهة انعكاسات تتجاوز نتائجها الآنية لتصل إلى النقاش العام في الشارع والإعلام.
وتحضر المنافسات الكلاسيكية أيضاً في أمريكا الجنوبية، حيث يُصنف ديربي “بوكا جونيورز” و”ريفر بليت” في الأرجنتين كواحد من أكثر المباريات شغفاً وتوتراً في العالم، يصل في بعض الأحيان إلى حدود لا يمكن التنبؤ بها، ما يدفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات أمنية استثنائية كلما اقترب موعد اللقاء.
ولا تقتصر الديربيات الكبرى على الفرق فقط، بل تشمل أحياناً المنتخبات، كما هو الحال في مواجهة ألمانيا وإنجلترا، أو البرازيل والأرجنتين، حيث تتحول هذه اللقاءات إلى لحظات فارقة في تاريخ اللعبة، تجمع بين المهارة والضغط والإثارة الجماهيرية.
وتؤكد هذه المنافسات، مهما اختلفت جغرافيتها، أن كرة القدم أكثر من مجرد رياضة، فهي ذاكرة جماعية تختزن مشاعر الانتماء والتفوق والهوية، وتعيد إنتاج التوتر الإيجابي بين الشعوب والمدن والطبقات، ضمن إطار رياضي تنافسي قديم يتجدد مع كل صافرة انطلاق.
المصدر : فاس نيوز ميديا