تطور كرة القدم النسائية : من الظل إلى الأضواء

على مدى العقود الماضية، عرفت كرة القدم النسائية تطورًا ملحوظًا، انتقلت فيه من هامش الاهتمام إلى صلب المشهد الرياضي العالمي، في ظل دعم متزايد من الاتحادات الدولية والوطنية، وتنامي حضور المنتخبات النسائية في البطولات الكبرى، وهو ما تعكسه التجربة المغربية الحديثة.

رغم أن بدايات كرة القدم النسائية تعود إلى أوائل القرن العشرين في بعض الدول الأوروبية، إلا أنها ظلت طويلاً في دائرة التهميش، نتيجة الصور النمطية والمعيقات الثقافية والهيكلية، لكن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا لافتًا، خصوصًا بعد التوسع التدريجي لكأس العالم للسيدات التي تنظمها الفيفا منذ عام 1991، والتي أصبحت اليوم من أكثر الأحداث الرياضية مشاهدة عالميًا.

نقطة تحول عالمية

و شهد مونديال السيدات 2019 في فرنسا ومونديال 2023 في أستراليا ونيوزيلندا إقبالاً جماهيريًا وإعلاميًا غير مسبوق، مما دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) إلى تخصيص تمويلات إضافية لدعم تطوير اللعبة النسائية، سواء على مستوى البنى التحتية أو تكوين المدربات واللاعبات.

في هذا السياق، أكدت جياني إنفانتينو، رئيس “الفيفا”، في تصريحات سابقة أن “كرة القدم النسائية ليست مستقبل اللعبة فحسب، بل هي حاضرها النابض بالفرص، ويجب الاستثمار فيه على كل المستويات.”

التجربة المغربية: إنجازات غير مسبوقة

في العالم العربي، يُعد المغرب نموذجًا متقدمًا في النهوض بكرة القدم النسائية. فقد أطلق الاتحاد الملكي المغربي لكرة القدم سنة 2020 إستراتيجية وطنية لتطوير اللعبة النسوية، ترتكز على التكوين، الاحتراف، وتوسيع قاعدة الممارسة.

وقد أثمرت هذه الجهود عن نتائج لافتة، أبرزها تأهل المنتخب المغربي النسوي لأول مرة إلى كأس العالم للسيدات 2023، وبلوغه الدور الثاني من البطولة، وهو إنجاز تاريخي وضع اللبؤات ضمن قائمة القوى الصاعدة في إفريقيا. كما وصل المنتخب إلى نهائي كأس إفريقيا للسيدات 2022، التي نظمها المغرب، وسط حضور جماهيري غفير فاق كل التوقعات.

التحديات الراهنة

ورغم هذا الزخم، لا تزال كرة القدم النسائية تواجه تحديات، أبرزها ضعف التغطية الإعلامية مقارنة بكرة القدم الرجالية، وقلة الموارد المالية المخصصة للأندية النسائية، إلى جانب الفوارق الاجتماعية التي تحد من مشاركة الفتيات في بعض المناطق.

وتشير تقارير صادرة عن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) إلى أن حوالي 60% من اتحادات القارة لم تعتمد بعد برامج مستدامة لتطوير الكرة النسائية، مما يتطلب تدخلات مؤسساتية عاجلة لتقليص الفجوة وتحقيق التوازن بين الجنسين في الرياضة.

لقد قطعت كرة القدم النسائية أشواطًا طويلة من التهميش إلى الاحتراف، وأصبحت اليوم تشكل قوة صاعدة في المشهد الرياضي العالمي، مع تنامي الإيمان بقدرات اللاعبات، وتزايد الاستثمارات في هذا المجال. ويبقى الرهان مستقبلاً هو ضمان استدامة هذا النمو، وجعل كرة القدم فضاءً مفتوحًا للنساء كما للرجال، في كل أنحاء العالم.

المصدر : فاس نيوز ميديا