في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة التي تعرفها القارة الإفريقية، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كفاعل محوري في تكامل الأسواق الإقليمية، من خلال سياسة تجارية متعددة الأبعاد تستند إلى اتفاقيات شراكة، واستثمارات استراتيجية، وآليات تمويل مبتكرة.
وتكشف معطيات رسمية أن الصادرات المغربية نحو القارة الإفريقية سجلت خلال سنة 2023 حوالي 24 مليار درهم، مقابل أقل من 11 مليار درهم قبل عشر سنوات، ما يعكس دينامية تصاعدية في المبادلات التجارية. وتعد دول غرب إفريقيا، من قبيل السينغال وكوت ديفوار ومالي، من بين أكبر الشركاء التجاريين للمملكة داخل القارة.
ويعتبر انخراط المغرب في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf)، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2021، خطوة حاسمة في اتجاه تكامل اقتصادي أوسع. وتعد هذه المنطقة أكبر تكتل تجاري في العالم من حيث عدد الدول، إذ تشمل 54 دولة إفريقية، وتهدف إلى خلق سوق موحدة للسلع والخدمات، وتيسير حركة الاستثمارات ورؤوس الأموال، وهي أهداف تتقاطع مع الاستراتيجية المغربية الرامية إلى تنويع شركائها وتقليص التبعية للأسواق التقليدية.
ويعتمد المغرب على شبكة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الثنائية والمتعددة الأطراف، بلغ عددها أكثر من 100 اتفاقية مع دول إفريقية، تشمل التعاون الجمركي والتكامل الصناعي وتبادل الامتيازات. كما تبنّى مقاربة تقوم على الشراكة جنوب–جنوب، وهو ما يترجم على أرض الواقع من خلال استثمارات مباشرة في قطاعات مثل الأسمدة والبنيات التحتية والبنوك والاتصالات، حيث تحظى شركات مغربية مثل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) ومجموعة التجاري وفا بنك وماروك تيليكوم بحضور لافت في العديد من البلدان الإفريقية.
وتحظى هذه المقاربة المغربية بتقدير دولي متزايد، إذ أشار تقرير للبنك الإفريقي للتنمية إلى أن المغرب يُعد من أكثر الدول الإفريقية التزامًا بتفعيل أهداف الاندماج القاري، سواء عبر التمويل أو من خلال نقل الخبرات وتكوين الكفاءات. كما أكد الخبير البريطاني في الشؤون الإفريقية، أليكس فينيك، أن المغرب يترجم خطاب التعاون القاري إلى إجراءات ملموسة، من خلال مبادرات لوجستيكية وتنموية متقدمة.
ورغم هذا المسار الإيجابي، تظل تحديات عديدة قائمة، أبرزها ضعف البنيات التحتية العابرة للحدود، وصعوبة التنقل الجمركي، وغياب آليات مالية موحدة لتسوية المدفوعات، وهو ما يعيق الوصول إلى تكامل فعلي في المدى القريب. وتسعى المملكة إلى مواجهة هذه التحديات من خلال إطلاق مشاريع طموحة، منها مبادرات الربط السككي والطرقي، وتطوير حلول رقمية لتسهيل التبادل التجاري مع بلدان الجنوب، بشراكة مع الاتحاد الإفريقي والمؤسسات المالية الإقليمية.
ويُفهم من هذا التوجه أن المغرب لا ينظر إلى إفريقيا فقط كسوق واعدة، بل كمجال استراتيجي لتوسيع نفوذه الاقتصادي وتحقيق تنمية مندمجة ومتوازنة. وبينما تزداد المنافسة الدولية على القارة، تسعى المملكة إلى ترسيخ موقعها الريادي في المشهد الإفريقي، عبر سياسات تجارية تجمع بين الطموح والانضباط، وتستند إلى منطق الربح المشترك بدل الهيمنة أو الاستغلال.
المصدر : فاس نيوز ميديا